للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومثل هذا لا يكاد يخفى؛ بل يظهر وينتشر، كما وقع في هذا العام، وربما يؤدي إِلَى أن يجعله كثير من الناس يوم النحر، فتنحر فيه الأضاحي، كما وقع في هذا العام أيضاً. وهذا من أبلغ الافتئات عَلَى الإمام وجماعة المسلمين، وفيه تشتيت الكلمة، وتفريق الجماعة، ومشابهة أهل البدع، كالرافضة ونحوهم؛ فإنهم ينفردون عن المسلمين بالصيام والفطر وبالأعياد، فلا ينبغي التشبه بهم في ذلك. (وتحقيق) (*) هذا: أن التقدم عَلَى الإمام بذبح النسك منهي عنه. كالتقدم عليه بالصيام، والتقدم عليه بالدفع من عرفة، والتقدم عليه بصلاة الجمعة. ولذلك منع طائفة من أصحابنا - كأبي بكر عبد العزيز- أهل الأعذار أن يصلوا الظهر يوم الجمعة حتى يصلي الإمام الجمعة.

ولذلك تنازع العُلَمَاء: هل يجوز التقدم عَلَى الإمام بالذبح يوم النحر، أم لا يجوز الذبح حتى يذبح الإمام نسكه؟ وفيه قولان مشهوران للعلماء ولا خلاف بينهم أن الأفضل أن لا يذبح الناس حتى يذبح الإمام.

وقال الحسن في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (١)، قال: لا تذبحوا قبل الإمام. خرَّجه ابن أبي حاتم.

فإن قيل: أليس قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عند وجود الأئمة الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها أن يصلوا الصلاة لوقتها وأن يجعلوا صلاتهم معهم نافلة، مع أن في ذلك افتئاتًا عَلَى الأئمة واختلافًا عليهم؟ ولهذا كان بنو أمية يشددون في ذلك ويستحلفون الناس عند مجيئهم للصلاة أنهم ما صلوا قبل ذلك. ومع هذا فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة في الوقت سرًّا، وبالصلاة معهم نافلة لدفع شرهم وكفِّ أذاهم.

وهذا يدل عَلَى أنه لا يجوز لأحد ترك ما يعرفه من الحق لموافقة الأئمة وعموم الناس؛ بل يجب عليه العمل بما يعرفه من الحق في نفسه، وإن كان


(*) تحقق: "نسخة".
(١) الحجرات: ١.