للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن حرمه جعله في الملابس تعظيمًا له فهو كنصبه بخلاف افتراشه، وحملوا حديث أبي طلحة عَلَى ثوب يفترش، وعضدوا ذلك بما في صحيح البخاري عن عائشة قالت: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه" (١).

وقد رواه البرقاني والإسماعيلي ولفظهما: "لم يكن يدع سترًا أو ثوبًا فيه تصليب إلا قضبه" (٢) (٣).

ورواه الخلال ولفظه: "كان لا يرى في ثوب تصاوير إلا نقضه".

ويعضد الجواز ما رُوي "أن أبا موسى الأشعري كان يلبس خاتم دانيال الَّذِي نفله إياه عمر، وكان عليه صورة رجل بين أسدين (٤) يلحسانه.

وسنذكره فيما بعد إِن شاء الله تعالى، وكان ابنه أبو بُردَة يلبسه. ورُوي أن فصه كان من عقيق وكان يقول: هو خاتم دانيال الحكيم.


(١) أخرجه البخاري (٥٩٥٢) من حديث عائشة.
(٢) نضبه: "نسخة". والقضب: القطع، ونضب: نفذا وانقضى.
(٣) قال الحافظ في "الفتح" (١٠/ ٣٩٨): ووقع في رواية الإسماعيلي "شيئًا فيه تصليب"، وفي رواية الكشميهني "تصاوير" بدل تصاليب، ورواية الجماعة أثبت.
قلت: ومراد الحافظ رواية الإسماعيلي والكشميهني لصحيح البخاري، وأما مراد ابن رجب بالبرقاني والإسماعيلي أنهما روياه في مستخرجيهما. وقال الحافظ (١٠/ ٣٣٩): قوله: (إلا نقضه) كذا للأكثر، ووقع في رواية أبان "إلا قضبه"، بتقديم القاف ثُم المعجمة ثم الموحدة، وكذا وقع في رواية ابن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن هشام، ورجحها بعض شراح "المصابيح"، وعكسه الطيبي فَقَالَ: رواية البخاري أضبط والاعتماد عليه أولى.
قلت: ويترجح من حديث المعنى أن النقض يزيل الصورة مع بقاء الثوب عَلَى حاله، والقضب: وهو القطع، يزيل صورة الثوب.
قال ابن بطال: في هذا الحديث دلالة عَلَى أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان ينقض الصورة سواء كانت مما له ظل أو لا، وسواء كانت مما توطأ أم لا، سواء في الثياب وفي الحيطان وفي الفرش والأوراق وغيرها.
(٤) أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" (١٣٦٠) من طريق قتادة قال": "كان نقش خاتم أبي موسى الأشعري أسد بين رجلين".