الأمناء على العلم والدين، وجدت في نفسي رغبة في تحقيق كتاب "قانون التأويل" بغية إخراجه للباحثين، والكشف عن شخصية أبي بكر بن العربي الكلامية التي ينبغي إبرازها والِإحاطة بها.
كما أن ثمة عوامل كثيرة شجعتني أن أمضي قُدُماً في هذا العمل بعد أن كدت أحجم عما انتويت، خشية المزالق والعثرات التي لا أبرىء نفسي -مهما حذرت- أن أقع فيها، ومن هذه العوامل:
أولاً: أن ابن العربي يعتبر من أكبر علماء العقيدة بالأندلس، والدليل على صحة هذا الحكم، أن كتبه في هذا المجال، ظلت نافقة عند العلماء على اختلاف الأجيال والأعصار إلى يوم الناس هذا.
ثانياً: أنه من الأوائل الذين تكلموا في علم الكلام على الطريقة الأشعرية، فنشر تراثه الكلامي، ودراسةُ أفكاره وآرائه، بما يفيد الباحثين جديداً في معرفة التطور الفكري بالأندلس.
ثالثاً: أنه أسهم إسهاماً فعالاً في نقد آراء غلاة المتصوفة والباطنية، بأسلوب علميّ سديد، دلّ به على سَعَةِ علمه، وحصافة رأيه، ودقّة نظره، وعمق فكره.
إضافة إلى أن كتابه "قانون التأويل" هذا، يعتبر من الكتب النفيسة اللطيفة التي تمتاز بغزارة المادّة، وسداد المنهج، وحسن المنحى، وجزالة الأسلوب. فباستطاعة الباحث أن يدرك فوائدَهُ في يسر لا يَشُوبُهُ عسر، إذ بذل فيه مؤلفه -رحمة الله عليه- أقصى جُهْدَهُ من أجل تقريبه إلى الأفهام، فجاء -ولله الحمد- كما أراد، حَسَنَ الديباجة، مُحْكَمَ الوضع، متناسقَ التبويب، مُطَّرِدَ الفصول، لا انقطاع في سلسلة أغراضه، ولا تباين في لُحْمَةِ معانيه.
وقد جعلت هذه الدراسة في مقدمة وقسمين:
أما المقدمة، فقد تناولت فيها الأسباب التي حملتني على اختيار هذا الموضوع والخطة التي سرت عليها.