للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منها حين يكون المقياس في التمييز غامضاً أو مطّاطّاً (١)، ويلاحظ الباحث أن ابن العربي كانت توجّهه في اختياره الآراء والحكم في بعض القضايا العقدية عواملُ كامنة لا يستطيع أن ينفكّ منها، فهو دوماً يسير على الخطّ الأشعري، مبرزاً رَأْيَ أئمته، مطنباً في مدح نظرياتهم واختياراتهم، وفي اعتقادنا أنه لم يفعل ذلك بداعي التعصب، ولكن الانتماء يحدد أحياناً مجالات الاختيار.

ونظراً لهذا الغبش الفكري الذي ساد الفكر الإِسلامي، بل والألفاظ اللغوية ذاتها، أصبح حقاً عليّ واجباً أن أكشف عن معنى كلمة "تأويل" كما هي في اللغة العربية، وفي القرآن الكريم، وكما فهمها النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأبين أن هذه الكلمة قد تراكمت عليها معاني حادثة بعيدة المطلب، وهذه المعاني الحادثة الغريبة هي التي أجمع أغلب علماء العقائد في القرون المتأخرة على القول بها، ضَارِبينَ بدلالة اللفظ -كما عرفه العرب الخلّص- عرض الحائط، ومن هذا الباب نشأ الاختلاف، ودخل الوهم، واضطربت الآراء وتباينت.

[معنى التأويل لغة]

بالرجوع إلى أصل استعمال كلمة "تأويل" عند العرب، نجد أن استعمالها كان يدور على معنيين:

المعنى الأول: الرجوع والمآل والعاقبة والعود والمصير، وإلى هذا التفسير ذهب أئمة اللغة المتقدمين أمثال أبي منصور محمد بن أحمد الأزْهَري (ت: ٣٧٠) الذي يذكر عن ابن الأعرابي أن الأوْل بمعنى الرجوع، من آل يؤول أوْلًا (٢).

ويقول ابن فَارِس (ت: ٣٩٥): أوّل الحكم إلى أهله أي أرجعه وردّه


(١) اللهم إلاّ إذا كان المقياس هو الكتاب والسنة فلا صعوبة حينئذ.
(٢) الأزهري: تهذيب اللغة: ١٥/ ٤٣٧، ونجد أن كل الأمثلة التي استشهد بها الأزهري تفيد معنى الرجوع والعود.

<<  <   >  >>