للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

علماً مفنّناً على مناهج عجيبة وفي صور بديعة، وأول ما لَفَتَ أنظار الناس إليه، جمعُه العجيب بين طريقتي النقل والعقل، فإنه لما رأى عناية أهلِ الأندلس بالموطأ، مع قِصَرِ باع العاكفين عليه عن معرفة فقهه والاستدلال لمسائله، والجمع بين ضبط أحاديثه ودقة استخراج الفقه منها بإعمال الأدلة والتنظير بينها، انتصب يشرح لهم الموطأ شرحاً واسعاً، على منهج النظر والاستدلال والفقه في المعاني، وبهذا العمل التحق الفقه المالكي في المغرب الِإسلامي بالدرجة التي كان قاصراً دونها، كما أنه اهتم بتدريس الأصول (١)، وذلك لتمهيد طريق النظر الفقهي على قواعد الأصول، فأصبح ابنُ العربي عَلَماً مُفْرَداً في الجمع بين الفنون وسهولة هضمها، وبذلك علت سمعته وَعَظُمَ صيته، وبطريقته البديعة في تدريسه صدرت كتُبه الكثيرةُ الجليلة المفننة في التفسير والكلام والأصول والفقه والنحو والأدب.

[٥ - نشاطه العلمي ومناصبه في الدولة]

وما إن مرت أيام، حتى جاء الأمير سير بن أبي بكر اللمتوني يدعوه لحضرته، ويختاره للشورى بين يديه (٢)، وهو منصب عال لا يرقى إليه إلاَّ الصَّفْوة المختارة من رجالات الفكر وأئمة الفقه، يجعلهم في مصاف الوزراء وكبراء رجال الدولة، ولذا نجدُ بعضَ معاصريه (٣) يحليه بلقب "الوزير".

ولم تكن أعماله الِإدارية لمجلس الشورى لتعوقَهُ عن مهامه العلمية من بحث وتأليف وتدريس ووعظ، ولكن صلتُه بالسلطان ربما أساءت إلى سمعته كعالم تقي ورع، فهذا أحد تلاميذه المعجبين به، أبو عبد الله بن مجاهد الإشبيلي الزاهد العابد، لازم ابن العربي نحواً من ثلاثة أشهر، ثم تخلف


(١) ووضع في ذلك كتاب "المحصول في علم الأصول".
(٢) أغلب الذين ترجموا لابن العربي لم يعينوا زمن تقديمه لمنصب الشورى، والنص الوحيد الذي عثرت عليه هو قول ابن الأبار: "وقدم ابن الجد للشورى مع أبي بكر بن العربي ونظرائه من الفقهاء حينئذ بإشبيلية في سنة: ٥٢١" التكملة: ٢/ ٥٤٢ (ط: الحسيني).
(٣) وهو ابن عبد الغفور الكلاعي في "إحكام صنعة الكلام": ١٩٠ - ١٩١، ٢٣٢، ٢٤٧.

<<  <   >  >>