قوله تعالى:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ ... إلى قوله ... الْمَسِّ}[البقرة: ٢٧٥]، هذا مثل ضربه الله للكفار الذين يسترسلون على التصرف في الأموال برأيهم، ولا يقفون عند حدود الشرع.
فقال لي: هذا مثل ضربه الله للكفار الذين يتصرفون في وجوه الاستدلال بعقولهم دون القانون.
فقلت له: لا أمنعك من هذا التأويل، ولا أبعده في طريق الدليل، وطال القول إلى أن كانت زبدته:
إنه لا بد من إثبات الشياطين (١) أولاً وجوداً، وإثبات أنهم أجسام متغذية، وأن الله ملكهم تيسير التصوير كما ملكنا تيسير الحركات، وأن الله يخلق عند كلامهم خواطر في قلوبنا، وأفعالًا في أبداننا، فيقع للمرء بذلك خبط، كما يلحق عند كلام العائن في البدن، ما يلفظ به المرء، وتنهدم به الدار، ويتبدد به المال، وعن هذه عَبَّرَ بقَوْلهِ صَلى الله عَلَيْهِ وَسلمَ:"إِن الشَيْطَانَ يَجْرِي مِن ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدمِ"، وكما يتصرف الدم فينا بالسريان، كذلك تتصرف ثمرة وسوسته فينا بالجريان، فيجري الدم فينا بحكم التغذية، ويجري الحكم المثمر للوسواس علينا بحكمة الله في المعصية.
ولما جهلت الفلاسفة هذا قالت:"إِن الصرع أخلاط تدور فيثور في البدن منها ما يثور"، وهذا كان جائزاً غير منكر عندنا، فكذلك قد بينا أن خلقاً
(١) انظر كلام ابن العربي حول إثبات وجود الشياطين في كتابه "القبس في شرح موطأ مالك بن أنس": ٩ (٢٥ جـ).