كذلك جعل العمل قسمين: منه ما يتأتى تكليفه، ومنه ما يعسر على جبلّة البشرية تعاطيه.
فإن قيل: وعلى الذكرى فما معنى كونه محكماً ومتشابهاً؟.
[ذكر المحكم والمتشابه]
فقل: قال تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}[آل عمران: ٧]. قلنا: قد بيناه في كتاب "المشكلين" عند ذكر هذه الآية بياناً مستوفياً، لبابه:
إن القرآن محكم كله، كما قال:{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ}[هود: ١].
وهو أيضاً متشابه كله كما قال تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا}[الزمر: ٢٣].
ومنه محكم، ومنه متشابه، كما قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}[آل عمران: ٧]، والمعنى الذي به صار القرآن كله محكماً، بذلك المعنى صار كله مشابهاً، والمعنى الذي به صار منه آيات محكمات، بذلك المعنى صار منه آيات متشابهات (١).
(١) قال المؤلف رحمه الله في المحصول في علم الأصول: ٣٤/ ب في بيان المحكم والمتشابه ما نصه: "اختلف الناس في ذلك على أقوال كثيرة ... فمنهم من قال إنها (أي الآيات المتشابهات) آيات الوعيد، ومنهم من قال إنها آيات القيامة، ومنهم من قال إنها أوائل السور، ومنهم من قال إنها الآيات التي تمتنع ظواهرها على الله كآية الإتيان والمجيء وغيرها، والصحيح أن المحكم ما استقل بنفسه والمتشابه ما افتقر إلى غيره وللتوسع في معرفة رأي المؤلف في هذا الموضوع، انظر: "القبس" في شرح موطأ مالك بن أنس: ٣٢٠ (مخطوط =