للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تلقي إليها الحواس من المعاني، وهي تطّلع عليها من حيث لا تشعر النفس بها، ولا يتفطن العبد لوجهها، وقد يشعر إذا كان مقبلاً على الحقائق وطريق تحصيلها، وعلى النظر في الأدلة وتفاصيلها، وَلَمْ تَشْغَلْهُ العوائق، ولا صرفته الخواطر، ولا شعبت عليه الأطماع، ولا جذبته علائق الآمال (١).

[ذكر حقيقة النوم وحكمته]

وكذلك خلق الله للعبد النوم، ليعلم به كيفية الانتقال من حال إلى حال، وصفة الخروج من دار إلى دار، فإنه موت أصغر، وقد يقال بنظر آخر أنه يَقَظَةٌ صغرى، فإن نظرنا إليه من حيث عدم الحركة والحس والتصرف بالأفعال معه، قلنا هو موت (٢) لعدم ذلك كله به، وقد قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: ٤٢] وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أخَذَ بِنَفْسِكَ" (٣).

وإن نظرنا إليه من حيث إنه انقطاع عن عالم التصرف الأدنى مع الآدميين والإكباب على الدنيا ومعانيها، وأنه إقبال على الملائكة المقربين،


= أن المرآة تكون في غلظ قشرة البيضة، ثم تقابل فتدنو من المرآة، فترى الدنو فيها، وتبتعد منها فترى البعد فيها، ومحال أن يكون ذلك الدنو والبعد الكثير في غلظ قشرة البيض، فدل على أن الذي يدرك إنما هو حقيقة المرئي.
(١) قارن الغزالي في مقاصد الفلاسفة: ٣٧٦ - ٣٧٧.
(٢) انظر القول في الموت: "المتوسط في الاعتقاد" للمؤلف: ١٢٠ - ١٢١.
(٣) هو عند مسلم في المساجد رقم: ٦٨٠ من حديث ابن شِهاب عن سعيد عن أبي هريرة أن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، سَارَ لَيْلَه حَتى إذا أدْرَكهُ الكَرَى (النعَاس) عَرَّسَ (نزل للاستراحة والنوم) قَالَ لبلاَلٍ: اكْلأ لنَا الليل، فَلَما تَقَارَبَ الفَجْر اسْتَنَدَ بلاَلٌ إلى رَاحلَتِه فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاة فَلَم يَسْتَيْقِظْ وَلَا أحدٌ مِنْ أصْحَابهِ، حَتى ضَرَبَتْهمُ الشمْسُ، فَكَان رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ أولَهُم اسْتِيْقَاظاً، فَقَالَ: أي بلاَلُ؟ فَقَالَ بلاَل "أخَذَ بِنَفْسِي الذِي أخذ بنَفْسِكَ" ... الحديث. وانظر هذا الحديث في الموطأ كتاب وقوت الصلاة: ١/ ١٣ - ١٤، أبو داود في الصلاة رقم: ٤٣٦، الترمذي في التفسير رقم: ٣١

<<  <   >  >>