للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فارحل من عالم الشهوات إلى عالم القربات، وسافر من المحسوسات إلى المعقولات، وانظر في الزاد فلا بد منه، والدليل وهو العلم، فلا غنى عنه، فمن وجد معلماً فهو النعيم يهدي إلى السبيل، وينظم الدليل، ويحمي عن البدعة والتعطيل، فإن لم تجدوه، فقد أبدينا لكم سبيل السلوك، فتنوروها، ولكنكم آمنون ما كنتم في الظواهر تجولون، حتى إذا سلكتم بحبوحة التوحيد ودلائله ومتعلقاته، فيعرض لكم مهاوي مظلمة، ومغويات ملبسة.

[ذكر وجه الشبه القادحة في التأويل، وطريق الخلاص منه بهداية الدليل]

قد قدمنا أن العقول لا تستقل بدرك العلوم حتى يَصْطَفِيَ الله من خلقه من يلقي إليه ما يَقْصُرُ العقل عن دركه، لكنه إذا عرضه عليه كالرجل ينسى الآية أو المسألة أو الشخص فإذا قرئت عليه أو ذكرت له أو رآه عرفه.

ولا يصح أن يأتي في الشرع ما يضاد العقل، فإنه الذي يشهد بصحة الشرع ويزكيه من وجه دلالة المعجزة على صدق الرسول، فكيف يأتي الشاهد بتكذيب المزكي (١)؟ هذا محال عقلاً، وعلى هذا الأصل انبنت مسائل


= بعد، فإن الداخل في طلب العلم كثير، والسعيد قليل، وعدم الإنصاف بخطب جليل، وكم من حاضر بعرفة من غير معرفة، ونازل بمنى وما نال مني، وكم قارئ في بغداد خرج وما ظفر بزاد ... جميعهم يأمل الغاية وما حصل عليها، ويقصد النهاية وما انتهى إليها، فقد خلع ثياب الوطن، واستظهر على الغربة، واستوطن يجتهد بزعمه وهو لا يعلم كيف؟ ولا أين؟ يرجع بعد طول المغيب بخُفَّي حُنَيْن".
قلت: والمثل: "رَجَعَ فُلَان مِنْ حَاجَتِهِ بخُفي حُنَيْنٍ" أورده القاسم بن سلام في "كتاب الأمثال": ٢٤٥، والعسكري في "جمهرة الأمثال ١/ ٤٣٣، والبكري في فصل المقال": ٣٥٤.
(١) للتوسع في معرفة آراء المؤلف في هذا الموضوع الخطير، انظر: المتوسط ١١، سراج =

<<  <   >  >>