للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجمهور النظار يقيسون الغائب على الشاهد إذا كان المشترك مستلزماً للحكم، كما يمثلون به من الجمع بالحد والعلة والشرط والدليل.

فمتى قام الدليل على أن الحكم معلق بالوصف الجامع لم يحتج إلى الأصل، بل نفس الدليل الدال على أن الحكم يتعلق بالوصف كاف، لكن لما كان هذا كلياً، والكلي لا يوجد إلاَّ معيناً، كان يتعين الأصل مما يعلم به تحقيق الكلي، وهذا أمر نافع في الشرعيات والعقليات.

فعلمت أن القياس حيث قام الدليل على أن الجامع مناط الحكم، أو على إِلغاء الفارق بين الأصل والفرع، فهو قياس صحيح، ودليل صحيح في أي كان" (١).

قلت: وقبل أن ننتقل إلى الكلام عن مفهوم الباطن وعن التفسير الِإشاري للنصوص الشرعية، أود أن أبين رأي ابن العربي في مشكلة "الصدق والكذب" فقد تعرض لهذه القضية في مدخل فصل "ذكر أقسام العلوم" (٢) والغريب في الأمر أنه ذهب في كلامه عن الصدق والكذب مذهب النظام، وهذا يخالف ما كتبه في "سراج المريدين"، فهل رجع عن اعتقاد جمهور الأشاعرة وارتضى مذهب النظام؟ هذا ما سنحاول الِإجابة عليه في هذا المبحث، ولكي تتضح لنا المسألة جلياً، نذكر قول المذاهب في الصدق والكذب (٣):

المذهب الأول: وهو مذهب الأشاعرة الذي يرى أن النسبة الذهنية المفهومة من الكلام في الكلام الخبري، إذا كانت متطابقة مع النسبة الخارجية بأن تكون النسبتان ثبوتيتين أو سلبيتين، فذلك الصدق، وإن اختلفتا في الثبوت والسلب بأن كانت إحداهما ثبوتية، والأخرى سلبية، فذلك


(١) الفتاوى ٩/ ١١٧ - ١١٨.
(٢) قانون التأويل: ٥٠٧.
(٣) هذا البحث جلّه مستفاد من كتاب شيخنا محمد الشاذلي النيفر "المازري الفقيه والمتكلم وكتابه المعلم": ٥٠ - ٥٤.

<<  <   >  >>