للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: ٥٩] فأمر الله تعالى المؤمنين عند التنازع بالردَّ إلى الله والرسول، وهذا يوجب تقديم السمع، وهذا هو الواجب، إذ لو ردُّوا إلى غير ذلك من عقول الرجال وآرائهم ومقاييسهم وبراهينهم لم يزدهم هذا الردّ إلاَّ اختلافاً واضطراباً، وشكاً وارتياباً .. " (١).

[الحجة الثانية]

إن ذهاب المتكلمين بعامة وابن العربي بخاصة إلى تقديم العقل على النص غير صحيح، وذلك لأنهم إما أن يريدوا بالعقل أنه أصل في إثبات الشرع في نفسه، أو يريدوا أنه أصل في علمنا بصحته.

والأول محال لا يقول به عاقل، فإن ما هو ثابت في نفس الأمر بالسمع أو بغيره، هو ثابت سواء علمنا بالعقل أو بغير العقل ثبوته، أو لم يعلم ثبوته، وعدم علمنا بالحقائق لا ينفي ثبوتها في أنفسها، فما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - هو ثابت في نفس الأمر سواء علمنا صدقه أو لم نعلمه، ومن أرسله الله تعالى إلى الناس فهو رسوله، سواء علمنا صدقه أو لم نعلم، فثبوت الرسالة في نفسها، وثبوت صدق الرسول وثبوت ما أخبر به في نفس الأمر، ليس موقوفاً على وجودنا، فضلاً عن أن يكون موقوفاً على عقولنا، أو على الأدلة التي نعلمها بعقولنا (*).

فتبين من هذا أن العقل ليس أصلاً لثبوت الشرع في نفسه، ولا معطياً له صفة كمال أو أي صفة لم تكن له (٢).


(١) ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل: ١/ ١٤٦ - ١٤٧.
(*) ملاحظة: جل هذه الحجج قد أتى بها ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل بتفصيل يحمد عليه، كما لخصها تلميذه ابن قيم الجوزية في مختصر الصواعق المرسلة: ١/ ١٣٣.
(٢) م، ن: ١/ ٨٧ - ٨٨.

<<  <   >  >>