الكذب، فلا نظر عند الأشاعرة في الصدق والكذب إلاَّ إلى التطابق بين الكلام ونسبته الخارجية.
المذهب الثاني: مذهب النظام (١) ومن تابعه، وهو أن الصدق مطابقة الكلام لاعتقاد المخبر، ولو كان الاعتقاد خطأ، بمعنى أنه غير مطابق للواقع، والكذب عدم مطابقته لاعتقاد المخبر، والمراد بالاعتقاد ما يشمل الظن، فلو قال قائل: السماء تحتنا وهو يعتقد ذلك كان صدقاً، ولو قال: السماء فوقنا وهو لا يعتقد بذلك كان خبره كذباً.
وأجاب الأشاعرة عن استدلال النظام على مذهبه بهذه الآية الكريمة بثلاثة أوجه:
الأول: إن التكذيب راجع إلى الشهادة لأنهم كأنهم قالوا: إن شهادتنا واطأت فيها قلوبنا ألسنتنا، وهذا كذب؛ لأن المنافقين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، فتكذيبهم راجع إلى ادِّعاء المواطأة، لا إلى المشهود به الذي هو إنك لرسول الله كما يدعي النظام، فإنه وإن كان مطابقاً للواقع إلاَّ أنه غير مطابق لاعتقادهم، وإذا كان غير راجع للمشهود به كما يدعي النظام، بل هو راجع للمواطأة سقط استدلاله.
والعجب من النظام كيف يستدل بهذه الآية مع أنها لا تحتمل إلاّ الوجه
(١) هو إبراهيم بن سيار البصري، المعروف بالنظام من أعظم أئمة المعتزلة توفي سنة ٢٣١ للوقوف على ترجمة حياته وآرائه الفلسفية انظر الدراسة النقدية الممتازة التي كتبها الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة (ط: القاهرة ١٩٤٦) وانظر كذلك د. علي سامي النشار في نشأة الفكر الفلسفي في الإِسلام: ١/ ٤٨٤ - ٥٠٣.