للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبد له قدرة مؤثرة في أفعاله كتأثير سائر الأسباب في مسبباتها، ولا شيء في ذلك من المجاز أو يحتاج إلى تأويل.

[الإنسان هو العالم الأصغر]

ثم بعد أن ساق ابن العربي الأدلة العقلية والنقلية على وجود الله سبحانه واتصافه بصفات الكمال قال: "وهكذا تستدل أيها العبد بنفسك على ربك، حتى لقد غلا في ذلك بعضهم فقال: إن الِإنسان هو العالم الأصغر، والسموات والأرض بما تشتمل عليه هو العالم الأكبر، وأفرط في التشبيه بينهما والمناسبة لهما وليس ذلك بمعترض على الدين ولا قادح في عقيدة المسلمين" (١).

قلت: وهذا الذي ارتضاه ابن العربي غير مرضيّ ولا مقبول عند علماء المسلمين المتبعين للطريق المبين، وذلك لأن هذه الأقوال هي من سواقط كلام الفلاسفة (٢)، ومن المعلوم أن للفلاسفة اصطلاحاتهم التي تحمل تصورات كاملة للكون والحياة والوجود، فإذا ما استعرنا عباراتهم وتشبيهاتهم بحجة أنها لا تتعارض مع ما ورد في الشرع. فإن هذا لن يستقيم لنا، وسيغزو فكرهم عقائدنا بما يحمل من مدلولات مناقضة للشرع. وحتى نتبين خطورة هذه الفكرة التي قبلها ابن العريي مختاراً فإننا ننقل ملخصها كما جاءت في كتاب "الحدائق في المطالب العالية الفلسفية العويصة" (٣) لابن السيد البَطَلْيَوْسِي الأندلسي (ت: ٥٢١).

قال: " ... وخلق الله عَزَّ وَجَلَّ الِإنسان آخر المخلوقات، وجمع في خلقه جميع ما في العالم، فصار مختصراً منه، وجعله حدّاً بين عالم الحسن


(١) قانون التأويل: ٤٦٤.
(٢) وتبعهم في ذلك الصوفية، انظر هذه الفكرة عند لسان الدين بن الخطيب في روضة التعريف بالحب الشريف: ١/ ١٥٦ الذي يقول: "إن الإنْسَانَ نسخة من العالم، وأنه عالم صغير" وانظر الغزالي ميزان العمل: ٢٠٠.
(٣) ص: ٢٨ - ٣٠.

<<  <   >  >>