للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

" ... فإن جماعة ظنوا أن الكذب إنما يتحقق بأن نقول: إن الكلام عبارة عن المعنى القائم بالنفس، واللسان يعبر عنه فإذا وافق اللسان عقد الجنان، فذلك الصدق، وإذا خالفه فهو الكذب (١)، وليس الأمر كذلك، بل نقول وهو الغاية في البيان والتحقيق: إن الكلام هو المعنى القائم في النفس، والعلم يتعلق بالمعلوم على ما هو به، فإذا كان الكلام النفسي أو الاعتقادي أو اللفظي موافقاً للعلم فهو الصدق، وإن كان مخالفاً له فهو الكذب، وقد يكون الكذب بقصد وبغير قصد، والحقيقة فيه واحدة، وإنما تختلف في الأجر والوزر" (٢).

ونكتفي بهذا القدر والحمد لله رب العالمين.

[أبو بكر بن العربي والباطن من علوم القرآن]

ابن العربي -كما يبدو لدارسه بشكل عام- من أكبر مفكري الإِسلام، ولعله أقربهم إلى الابتكار، فآراؤه في الزهد والتربية وحدها يمكن أن تعتبر تجديداً مهماً في وضع قواعد سلوكية للذين يريدون سلوك طريق المهتدين، مع ما نستشعره من وعورة وتشعب هذا الجانب من المعرفة التي طرق أبوابها.

والحق أن ابن العربي وفق إلى أبعد الحدود في صياغة نظرية سنية متكاملة في السلوك والتربية في كتابه "سراج المريدين" (٣) وأثبت خلالها أنه ذو مقدرة فائقة على دحض أفكار المتصوفة الغالين، مع إفادته منها في الوقت نفسه، وقد أثمرت طريقته هذه -بإذن الله- فأصبحت مؤلفاته في تاريخ الحركات الإصلاحية في المجتمع الإِسلامي ذات شأن وأهمية لا يمكن تجاهلها بأي حال من الأحوال.

وبهذا الوضوح في الرؤية والسلامة في المنهج ناقش ابن العربي


(١) وهذا هو مذهب النظام المعتزلي كما عرفنا.
(٢) لوحة ٨٩/ ب.
(٣) انظر فصل "ذكر الباطن من علوم القرآن" في قانون التأويل.

<<  <   >  >>