للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اسم الكذب على الكلام المخالف للواقع وإن لم يطابق الاعتقاد، وبهذا يظهر أن لا مدخل لمطابقة الاعتقاد في إطلاق الكذب، إذ هذا يطلق على ما طابق الاعتقاد وما خالفه، وإنما المراعى مطابقة الواقع" (*).

والآن وبعد أن عرفنا آراء المذاهب في مفهوم الصدق والكذب، ما هو رأي ابن العربي في هذه المسألة؟.

يقول رحمه الله في قانون التأويل (١): "إن العلم لا بد أن يقوم عنه في النفس خبر، وذلك الخبر هو الكلام، وهو من الله صدق لموافقته العلم، ويتصور أن يكون في العبد صدق، وهو ما وافق علمه، ويكون كذباً، وهو ما جاء بخلاف العلم، والكذب مستحيل على الله تعالى، لأن العبد له حالة علم وشك، وظن وجهل ووسواس، فكل معنى من هذه المعاني قام عنه خبر في نفسه، والصدق منها ما وافق العلم".

قلت: وقد اعتقدت في أول وهلة أن ابن العربي في هذا النص يوافق النظام في قوله بأن الصدق هو مطابقة الكلام للاعتقاد، والكذب هو عدم مطابقته، ولكنني بعد رجوعي إلى سراج المريدين وجدته يعرف الكذب بقوله: "هو الِإخبار عن الشيء على خلاف ما هو به" (٢) وهذا التعريف -كما عرفنا- هو الذي اتفق عليه الأشاعرة قاطبة (٣).

وهنا رجعت إلى نص "قانون التأويل" متأملاً، فوجدته لا يخرج عن اعتقاد سلفه الأشاعرة، فمراد ابن العربي -والله أعلم- أن الصدق هو مطابقة الكلام الذي هو المعنى القائم بالنفس للعلم الذي هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، فيكون الصدق مطابقة الكلام لما عليه الواقع، وقد تأكد لي هذا اللهم بنص آخر في الموضوع وجدته بكتاب "الأمد الأقصى" يقول فيه:


(*) إلى هنا ينتهي كلام شيخنا الفاضل محمد الشاذلي النيفر -حفظه الله تعالى.
(١) صفحة: ٥٠٧.
(٢) لوحة ٢٢٦/ أ.
(٣) انظر التعريفات: ٦٩، ٩٧.

<<  <   >  >>