للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال سبحانه: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور: ٣٥].

فقال قوم: إن هذا مثل لذاته وضلوا.

وخذوا مني نكتة هي خير لكم ما طلعت عليه الشمس.

[ذكر تنزيه الذات عن الأمثال]

اعلموا -أفادكم الله علمَه، وأوسعكُم حلمه- أن الباري تعالى نصب الأدلة على معرفة صفاته، وحجب الخلق عن ماهية ذاته حتى يعلموه إذا شاهدوه، فللعيان مزيةٌ في البيان، أنشدني القاضي الرشيد (١) رحمه الله بالمسجد الأقصى طَهرَه الله (٢):

لَئِنْ أصْبَحْتُ مُرْتَحِلًا بشَخْصِيِ (٣) ... فَرُوحِي عِنْدَكُمْ أبَداً مُقِيمُ

وَلَكِنْ لِلْعِيَانِ لَطِيفُ مَعْنى ... لَهُ سَألَ المُعَايَنَةَ الكَلِيمُ

فَخَبَّأ -والله أعلم- معرفة ذاته لمشاهدته، وأقام الأدلة على صفاته بمخلوقاته، ولذلك إذا نظرت إلى الأمثالِ في الكتاب والسنة وجدتَها على الصفات محالة، وفي بيانها واردة، والذاتُ مخبوءة تحت أستار الجلال والعظمة، يُخْبِرُ عنها بالتقديس، فَتَبَيَّنَ أن هذا المثلَ وغيرَه لصفاته.

فضرب الله المثل في هذه الآيةِ لعَشْرٍ بعشر:


(١) سبقت ترجمته.
(٢) هذان البيتان لأبي محمد بن حزم، انظر ابن خلكان في وفيات الأعيان: ٣/ ٣٢٧، وابن عماد الحنبلي في شذرات الذهب: ٣/ ٣٠٠، وابن الدَّبَّاغ في مشارق أنوار القلوب: ٨٨ - ٨٩. (ط: ريتر).
(٣) في الشذرات والمشارق: بجسمي.

<<  <   >  >>