للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحاضرين، وَمَرَّ في طريقه بأرض "دُكَّالَة" في المغرب الأقصى حيث التقى به العالم الرحالة أبو العباس القسمطيني الذي يقول: " ... وبها (أي بأرض دُكَّالَة) اجتمعت بالشيخ أبي بكر بن العربي لما قدم من سفارة العراق، وتوجه لأمير المسلمين يوسف بن تاشفين المتوفى سنة ٤٩٤" (١).

ودخل ابنُ العربي مدينة مراكش عاصمة الدولة المرابطية، ويبدو أن ابن تاشفين قابل العالم الشاب والسفير الموفق بكل ترحاب وتكريم، وتسلّم منه المراسم السلطانية التي حملها إليه من عاصمة الخلافة العباسية -بغداد- بتقليده لقب أمير المسلمين (٢)، وجعله نائباً عن الخليفة العباسي في أقطار المغرب الِإسلامي، تعزّزه في ذلك فتاوى العلماء (٣) ورسائل الوزراء (٤).

[وصول ابن العربي إلى إشبيلية ونشاطه بها]

وعاد ابنُ العربي إلى إشبيلية يهاجم ويناظر، ويفيض كالسيل بألوان الفنون والمعلومات تدريسا (٥) وتحريراً، وينقّحُ الفقه المالكي بتحقيقه لمناط الأحكام، ونظره في أدلتها، ونقضه على الفقهاء ما كانوا يُفْتُون به تقليداً أو عن ضعف دليل، فملأ كتبه النفيسة العجيبة بذكر الغزالي والتعلق بمتين محبته، وجليل إعظامه، والتلذذ بإعادة محاوراته، وتجديد مطارحاته، على أن ما تشرّبه من حرّية البحث وكرامة المعرفة، كان يدفع به إلى مناقشة أستاذه "دانشمند" في كثير من أقواله وآرائه مثلُ بحوثه المستفيضة في "العواصم" (٦) و"القانون" (٧) وانتصب -فقيهنا رحمة الله عليه- بطريقته هذه يُبْرِزُ للناس


(١) أبو القاسم الزياني: الترجمانة الكبرى: ٧٨.
(٢) انظر "شواهد الحيلة": ٢٩/ ب، وانظر قائمة مؤلفات ابن العربي رقم: ٢٤ من هذا البحث.
(٣) أمثال الإِمام الغزالي والِإمام الطرطوشي، انظر المراجع السابقة.
(٤) وهي رسالة الوزير محمد بن محمد بن جهير المتوفى سنة ٤٩٣، انظر المراجع السابقة.
(٥) ونراه يعقد مجال الدرس عند استقراره بإشبيلية مباشرة، فهذا تلميذه محمد بن عبد الملك الغافقي سمع منه بإشبيلية سنة ٤٩٦، انظر معجم تلاميذ ابن العربي رقم: ٩٢ من بحثنا هذا.
(٦) الصفحات: ١٤ - ٢٠، ٣٠ - ٥٠، ١٠٦ - ١٠٩.
(٧) الصفحات: ٩٢، ١٤٢، ٢٧٢ - ٢٧٧.

<<  <   >  >>