للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سما إليها وَرَقِيَ، وحسبك من مفاخر قُلِّدَهَا، وَمَحَاسِنَ أُنْسٍ أنْبَتَهَا وَخَلَّدَهَا ... " (١).

ولا ندري هل كانت عودة ابن العربي عن طريق البَرِّ أو البحر؟ وكل ما استطعنا معرفتَه أنه دخل تونس في ذي الحجة سنة: ٤٩٤ (٢)، ورأى بمدينة المنستير جماعة من الزهاد قال عنهم: " ... ورأيت بمنستير إفريقية جماعةَ الطريق المثلى، في العزلة عن الدنيا، أقمت عندهم عشرين يوماً فكأني في الآخرة، طيب عيش، وسلامةَ دِينٍ، ثم جذبتني صلةُ الرَّحِمِ، فقطعتني عن الله مقاديرُ سماوية، فاعجب -فديتك- من قطع بوصل، ومن أجر بذنب، ومن إعراض فإقبال، ومسامحة في استدراج، وذلك بضرب من العجز والتقصير، وغلبة حب الدنيا على القلب وإلّا فما أسهلَ الجمعَ بين معاقد التقوى، وأقْرَبَ التحصيلَ لوجوه الخلاص، ولكن بحذف العلائق وقطع الشهوات، وذلك يعسر مع الِإقبال عليها، ويسهل مع التوفيق بالإِعراض عنها، قل إن الأمر كله لله" (٣).

ثم نزل بتلمسان وفاس (٤) وأملى بها مجالس علم كانت مثار إعجاب


(١) مطمح الأنفس: ٢٩٨ - ٢٩٩ (ط: الرسالة: ٨٣).
(٢) سراج المريدين: ٨٧/ ب.
(٣) ن، م: ٧٣/ ب، وانظر نفس هذه القصة: "بالمسالك شرح موطأ مالك": لوحة: ٤٨١، (مخطوط دار الكتب القاهرة رقم: ٢١٨٧٥ ب).
(٤) قال المؤلف في السراج: ٢٣٩/ ب: " .. وقد كنت وردت تلك الديار الكريمة سنة ٤٩٥، فنزلت بتلمسان وفاس، وكنت أذكر منها (أي من "أسرار الله" للدبوسي) مسائل، وأُعَجِّبُهُم من أغراضها، فما تحركت لذلك همّة، ولا نشأت عزيمة، إلاَّ لرجل واحد علم أني إذا سُئِلْتُ قراءتها أو إعارتها أقول: هي من أواخر الكلم، فإذا أخذتم أوائلها مكنتم منها، فتاقت نفسه إليها، فرحل إلى العراق وكتبها من مدرسة الحنفية بمدينة السلام، وجاء بها، وكان ذلك من جميل صنع الله معي، فإنه لما ذهب ببعضها عند نهب الدّار، أسفت لها وَلمَا مضى من أمثالها بما لا أجبره إلاَّ بالرحلة مرة أخرى، فأُعْلِمْتُ بأن هذا الرجل جلبها، فاستدعيتها، وجبرت ما فاتني منها ولكن النسخة التي جلبها هذا الرجل سقيمة، لم يعارضها بالأم، ولا قرأها على شيخ، ففيها سقم كثير، فما سلم منها عندي صححت منه، وبقي ما لم يكن عندي على سقمه، والله يصحح لنا أدياننا وعلومنا برحمت

<<  <   >  >>