للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثياب طويلة يلبسها بالليل وينام فيها إذا غلبه النوم، ومهما استيقظ مَدَّ يده إلى كتاب، وكان مصباحه لا ينطفىءُ الليلَ كله" (١).

[عودة ابن العربي إلى إشبيلية]

ولم تطل إقامة ابن العربي بقرطبة، ولعلّ انتقاله إليها كان مؤقتاً- ريثما تهدأ العاصفة، وتعود المياه إلى مجاريها، فلم يلبث أن عاد إلى إشبيلية، وبنى بها مسجداً اكتظت جوانبه برواد المعرفة، واتصلت حلقاته في التفسير والحديث والفقه والأصول والكلام واللغة والأدب والأخبار والسير، وما إليها، وهذه الفترة من أخصب فترات حياته، وفيها أتمّ أكثرَ مؤلفاته.

ولا شك أن ذيوع اسمه وتألق نجمه قد غطّى على كثير من مشيخة عصره، مما دفع ببعض منافسيه إلى النيل منه، والحطّ من قدره، فنفّروا الناس من الأخذ منه والسماع عليه، ورموه بالتزيد والِإغراب في أحاديثه ورواياته (٢).

وحدث أن دخل أبو محمد التادلي (ت: ٥٩٧) إلى الأندلس للأخذ عن مشايخها، فهمّ بالسماع من ابن العربي، فصدّه الفقهاءُ عنه، وأحالوه على أبي بكر بن طاهر راوية أبي علي الغساني، قال ابن الأبار: وما أراه سمع منه، فصحب عياضاً ولقي أبا القاسم بن بشكوال (٣)، وهما من تلاميذ ابن العربي.

ويذكر أبو بكر محمد بن مسدي (ت: ٦٣٦) في معجمه عن أحمد بن الفرج البنَّاني عن الحافظ ابن جد وغيره أن فقهاء إشبيلية حضروا يوماً


(١) البغية: ٨٣، وانظر نماذج من الدارسين عليه أيام كونه بقرطبة معجم تلاميذه، التراجم رقم: ٥٥.
(٢) الغنية للقاضي عياض: ٦٨ (ط: دار المغرب الِإسلامي).
(٣) التكملة: ٢/ ٩٢١ - ٩٢٢، إتحاف أعلام الناس أو "عبير الآس": ٤/ ٤٩٤، ٤٩٥، شجرة النور الزكية: ١٦٤.

<<  <   >  >>