فأشار إلى أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وأن معنى أكلها: أن يخلق للعبد في نفسه مثلها، لا أن تنتقل من الغصن إلى البطن، كما ينتقل مثال العلم من النفس إلى النفس بوساطة التعبير، وهذا تقصير عظيم فإنه تمثيل أجساد بأعراض.
واعجبوا لهذا الكلام، فإنه قلب للتأويل، وقد قام الدليل على أن ما في الجنة أجساد مخلوقة، بيد أنها معصومة عن الاستحالة والتعفن بدوام البقاء، وقد كان يجوز أن يكون طعام الدنيا كذلك، إلاَّ أن العادة جرت باستحالته، ولهذا خلق، وتلك خلقت للسلامة عن الآفات، ولذلك صارت دار السلام. فإذا قطعت ثمار دار الدنيا أخلقت بعد حول، وإذا قطعت: ثمار الجنة أخلفت في الحال، وبهذا كانوا يأكلون منه ما بقيت الدنيا، فلا مفارقة بين الطعامين إلاَّ في وجود الدوام، وعدم الاستحالة، وهذا أولى من قلبها من صفات الأجسام إلى حكم المعاني، فقلب الحقائق لا معنى له، وهو رأي فلسفي مبناه على أن الدار الآخرة لا حقائق لها، وإنما هي أمثال، وقد بينا فساد ذلك في كتب "الأصول".
[المسألة الثانية]
في قوله تعالى:{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ}[الأعراف: ٨] إلى آخر الآيتين، لما قرع هذا الكلام سمع العلماء قالوا: كلام الله صدق، ولا بد من وزن الأعمال، ثم اعترضتهم أنها أعراض، فكيف توزن؟.