للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنه، فقيل له في ذلك، فقال: كان يدرّس وبغلته بالباب تنتظره للركوب إلى السلطان (١).

[ولايته القضاء]

أظهر ابن العربي لدى توليته الشورى بين أيدي القضاة كفاءة نادرة، دَلَّت على تضلّعه الواسع في علوم الشريعة، وغيرة ملْتَهِبَةٍ على حقوق الضعفاء، والوقوف إلى جانب المظلومين، وكان في مجالسه العلمية ينتقد الأوضاع الفاسدة التي يعيشها المجتمع الأندلسي، ويُنْحِي باللائمة على الوُلَاةِ، والمسؤولين تارة، وعلى فساد المجتمع بأكمله أخرى، وفي هذا الصدد يقول رحمه الله في كتابه السراج: "وقد عظم الخطب في هذا الزمان، حتى لا يدري العبد على أي شيء يبكي، أعلى فوات دنياه، أم على ذهاب دينه، أم على إخوانه في القربات، أم على دروس العلم وطموسه، أم على اتفاق الخلق على إنكار المعروف وتعريف المنكر، أم على أميره الذي لا يرعى فيه إلاًّ ولا ذمّة ... " (٢)؟.

ويقول في موضع آخر: "وقد فَسَدَ اليَوْمَ الأصنافُ كلُّهم، وأشدُهم فساداً الأمراء والفقهاء، وهم الذين تُصْلَحُ بهم الأحوال، وتنال بصلاحهم الآمال" (٣).

ومضى ابنُ العربي في طريقه هذا غَيْرَ هيّاب ولا وَجِلٍ، فأخلص للحق، وانقطع لِإبراز ما يراه عدلاً وقسطاً، ولا شك أن إخلاصه هذا، وغيرتَه على نصرة دين الله، وَجَمْعَهُ نَوَاحِيَ متباعدةً من فنون العلم، وبلوغَهُ فيها جميعاً درجةً متساويةً من الِإمامة، قد جذب الفحول من ناشئة الفقهاء والمتأدبين إلى دروسه من مختلف بلاد الأندلس والمغرب (٤)، كما كان لهذه


(١) التكملة: ٢/ ٥٢٢ (ط: الحسيني). وانظر معجم تلاميذ ابن العربي، الترجمة رقم: ٧١.
(٢) لوحة: ٥٧/ ب.
(٣) م، ن: لوحة ١٥١/ ب.
(٤) المطلع على معجم تلامذته يدرك هذه الحقائق.

<<  <   >  >>