للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الختام أقول: إن القرآن الكريم قد اشتمل على البراهين العقلية على أصول الدين، وقد أثبتها الكثيرون من الفلاسفة (١) والمتكلمين (٢) إذ يرى الِإمام الغزالي أن الأدلة القرآنية أكثر إقناعاً من غيرها، وإنها لذلك أكثر فائدة حيث تصلح للعامة ولأهل المعرفة اليقينية في آن واحد، فالأدلة القرآنية فيما يرى الِإمام الغزالي كالماء الذي ينتفع به الصبي الرضيع والرجل القويّ، وسائر الأدلة كالأطعمة التي ينتفع بها الأقوياء مرة ويمرضون بها أخرى (*)، ولا ينتفع بها الصبى أصلاً، "فمن الجلي أن من قدر على الابتداء فهو على الِإعادة أقدر، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: ٢٧] وإن التدبير لا ينتظم في دار واحدة بمديرين فكيف ينتظم في كلّ العالم؟. وإن من خلق علم كما قال: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: ١٤] فهذه الأدلة تجري للعوام مجرى الماء الذي جعل الله منه كل شيء حياً، وما أحدثه المتكلمون وراء ذلك من تنقير وسؤال وتوجيه وإشكال ثم اشتغال بحلّه فهو بدعة، وضرره في حق أكثر الخلق ظاهر فهو الذي ينبغي أن يتوقى" (٣).

[نقد استدلال ابن العربي بقصة الخليل عليه السلام على حدوث العالم.]

أشار ابن العربي - رحمه الله - في "قانون التأويل" (٤) إلى أن الله قد أوعب القول في حدوث العالم، ونبه باختلاف الأعراض عليها في


(١) كابن رشد الذي يرى أن الشرع اشتمل على جميع أنحاء طرق التصديق وأنحاء طرق التصور - انظر فصل المقال: ١٩.
(٢) كالأشعري في رسالته "استحسان الخوض في الكلام".
(*) ملاحظة: لا يخفى أن المتكلمين إنما أكدوا اشتمال القرآن على الأدلة العقلية ليثبتوا أنهم فيما وضعوا من أدلة لم يكونوا مبتدعين، بينما أراد السلف من ذلك إثبات الاستغناء ببراهين القرآن عن الأدلة الكلامية.
(٣) إلجام العوام: ٨٨/ ٨٩ (ضمن مجموعة القصور العوالي).
(٤) ص: ٥٠٢.

<<  <   >  >>