للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك يقول أبو المظفر السمعاني في كتابه "الانتصار لأهل الحديث": " ... أما إذا نظرت إلى أهل الأهواء والبدع رأيتهم متفرقين شيعاً وأحزاباً لا تكاد تجد اثنين منهم على طريقة واحدة في الاعتقاد، يُبَدِّع بعضهم بعضاً، بل يترقون إلى التكفير، يكفر الابن أباه، والرجل أخاه، والجار جاره ... تنقضي أعمارهم ولما تتفق كلماتهم، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ... أوَ مَا سمعت أن المعتزلة مع اجتماعهم في هذا اللقب يكفر البغداديون منهم البصريين، والبصريون منهم البغداديين، ويكفر صاحب أبي علي أصحاب أبي هاشم، وكذلك سائر رؤوسهم وأرباب المقالات منهم" (١).

ويرى الإِمام الغزالي أن الشر إنما نبع في هذه الأمة منذ ظهر علماء الكلام الذين أرادوا أن يضيقوا رحمة الله الواسعة وأن يجعلوا الجنة وقفاً على شرذمة يسيرة من المتكلمين.

ومن الآثار الخطيرة التي ترتبت كذلك على الاشتغال بعلم الكلام وسلوك طريق المتكلمين: الطعن علي إيمان العوام من المسلمين والقول بكفرهم، وقد بين ذلك ابن السمعاني حين قال عن المتكلمين: "ومن قبيح ما يلزمهم في اعتقادهم أننا إذ بينا الحق على ما قالوا وأوجبنا طلب الدين بالطريق الذي ذكروه، وجب من ذلك تكفير العوام بأجمعهم لأنهم لا يعرفون إلاَّ الاتباع المجرد ... فإذا كفر هؤلاء الناس وهم السواد الأعظم وجمهور الأمة، فماذا إلاَّ طيّ بساط الإِسلام وهدم منار الدين وأركان الشريعة وأعلام الإِسلام، وإلحاق هذه الديار -أعني دار الإِسلام- بدار الكفر؟ ... ومتى يوجد في الألوف من المسلمين على الشرط الذي يراعونه لتصحيح معرفة الله" (٢).


(١) عن السيوطي: صون المنطق والكلام: ١/ ١٦٧ وما بعدها.
(٢) م، ن: ١/ ١٧٧ - ١٧٨، ولهذا السبب وصف الغزالي المتكلمين بالغلو والإسراف، إذ كفروا -في نظره- عوام المسلمين وزعموا أن من لا يعرف الكلام معرفتهم ولم يعرف العقائد الشرعية بأدلتها التي حرروها فهو كافر". انظر فيصل التفرقة بين الإِسلام والزندقة: ١٥٠ (ضمن مجموعة القصور العوالي).

<<  <   >  >>