وما ذكره الله سبحانه وتعالى عن الأنبياء والمؤمنين من المجادلة يتناول هذا.
وقد ذَمّ الله تعالى في القرآن ثلاثة أنواع من المجادلة: ذم صاحب المجادلة بالباطل ليدحض به الحق، وذم المجادلة في الحق بعد ما تبين، وذم المجادلة فيما لا يعلم المحاج.
فقال تعالى:{وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ}[غافر: ٥].
وقال تعالى:{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ}[الأنفال: ٦].
والذي ذمه السلف والأئمة من المجادلة والكلام هو من هذا الباب، فإن أصل ذمهم الكلام هو الكلام المخالف للكتاب والسنّة، وهذا لا يكون في نفس الأمر إلاَّ باطلاً، فمن جادل به جادل بالباطل، وإن كان ذلك الباطل لا يظهر لكثير من الناس أنه باطل لما فيه من الشبهة، فإن الباطل المحض الذي يظهر بطلانه مشوباً بحق، كما قال تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[آل عمران: ٧١].
فما ينصبه الله من الأدلة، ويهدي إليه عباده من المعرفة يتبين به الحق من الباطل الذي يشتبه به، وهذا يتأتى بالاقتصار على المناهج المشروعة التي شرعها الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - " (١).
ثانياً: من النتائج الخطيرة التي ترتبت على الاشتغال بعلم الكلام، ما حدث من اختلاف المتكلمين فيما بينهم، وهذا خطر كبير مزق أمة الإِسلام شيعأاً وأحزاباً، وفرقها فِرَقاً متباينة متطاحنة ترمي كل منها الأخرى بالكفر والضلال، أو تنسبها إلى الفسق والابتداع، مما فل وحدة المسلمين وبدد قواهم، وفي