للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغزالي -وهو المتكلم النظار- أهل هذا الطريق بأنهم أهل جدل وشغب يتبعون ما تشابه من الكتاب ابتغاء الفتنة، وبين بطلان الجدل القائم على أساس القسمة العقلية حين قرر أننا لو سلمنا بأنهم وصلوا بقسمتهم العقلية إلى استقصاء جميع الاحتمالات، فإنه لا يلزم من إبطال ثلاث ثبوت رابع، فقد تكون الأقسام كلها باطلة (١).

وكذلك عاب الخطابي طريقة الجدل هذه في رسالته "الغنية عن الكلام" في قوله: " ... والجدل لا يبين به حق ولا تقوم به حجة، وقد يكون الخصمان على مقالتين مختلفتين كلتاهما باطلة، ويكون الحق في ثالثة غيرهما، فمناقضة أحدهما صاحبه غير مصحح مذهبه، وإن كان مفسداً به قول خصمه" (٢).

وأشار ابن الوزير اليماني إلى أن من أسباب فساد الأدلة الكلامية اعتماد المتكلمين فيها على مقدمات مختلف فيها، ولما كان من شرط المقدمات أن تكون جلية غير مشكوك فيها، وكانت الأدلة الكلامية قائمة على مقدمات مشكوك فيها مختلف عليها، كان ضرورياً أن تأتي محلاً للشك وكثرة الخلاف (٣).

ومع هذا فإنه ينبغي أن نعلم بأن السلف ومن سار على هديهم جادلوا المخالفين الرأي ولكنهم التزموا بما ألزمهم الله في قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: ١٢٥].

فمناظرة السلف مع الكفار وأهل البدع كانت مناظرات محمودة، إذ استهدفت تبيين الحجة التي تهدي إلى الحق والصواب.


(١) القسطاط المستقيم: ٦٢.
(٢) عن السيوطي: صون المنطق والكلام ١/ ٩٩، ١٧٦.
(٣) إيثار الحق: ١١.

<<  <   >  >>