للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: وقريباً من هذا الرأي استقر ابن العربي في آخر حياته إذ قال في كتابه "سراج المريدين" (١): " ... نشأت المبتدعة من القدرية وأترابهم، فتكلموا بألفاظ الأوائل من عرض وجوهر وحامل ومحمول، وخاضوا في أن العرض يتعدد، وأن الجوهر الفرد لا يتعدد، وركبوا عليه أدلة التوحيد، وهذا وإن كان يفضي إلى تحقيق!! ولكنه خروج عن سيرة السلف، ويصلح للغلبة فيِ الجدال، وإلا فقد أغنى الله في كتابه بما وضع من أدلته، ولَيْسَ مِنا مَنْ لَمْ يَتَغنَّ بِالقُرْآنِ، ولو لم يُمكِّنوا أنفسهم من هذه الألفاظ معهم، ولا انقادوا في تردادها في النظر إليهم، لكانوا قد سدوا من البدعة باباً، وطمسوا وجهاً، فإن المداخلة لهم فيها إطالة النفس وما حلت عقدة الجس".

قلت: وبهذا نعلم أن الخلف (٢) هم الذين خاضوا في منافسات جدلية عقلية مع مختلف الفرق والطوائف، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل وفق علماء الكلام في الدفاع عن العقيدة الِإسلامية بمناهجهم العقلية التي صاغوها في قوالب فلسفية؟.

الواقع أنهم وفقوا إلى أبعد الحدود في نقض العقائد المزيفة التي يدعيها اليهود والنصارى، وكذلك قاموا بواجبهم على أحسن وجه وأكمله في نقد خرافات الباطنية على اختلاف مدارسها.

ولكنهم بالرغم من هذه الإيجابيات، فإن هناك ثمة سلبيات كثيرة أهمها ما يلي:

أولاً: استعمالهم طريقة الجدل: وهي طريقة تعتمد على مسلمات الخصم وتتسم بالتدقيق وتحديد الاحتمالات والفروض، وتهدف أساساً إلى التغلب على الخصم، وهذه الطريقة هي من أكثر الطرق تعرضاً للنقد، بل هي من الأسباب القوية التي جلبت العداوة للكلام وأهله، وقد وصف الإِمام


(١) لوحة: ٥٢/ ب.
(٢) أعني بالخلف العلماء الذين وجدوا بعد القرون الثلاثة الأولى.

<<  <   >  >>