للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتصوفة وأصحاب الإشارات على اختلاف مشاربهم وأحوالهم، فحدثنا -رحمة الله عليه- في كتاب "العواصم" عن مذهب الصوفية في قولهم بالإشارة فقال:

" ... نبغت (طائفة) يقال لهم أصحاب الِإشارات جاؤوا بالألفاظ الشريعة من بابها، وأقروها على نصابها (١)، لكنهم زعموا أن وراءها معاني غامضة خفية، وقعت الإشارة إليها من ظواهر هذه الألفاظ، فعبروا إليها بالفكر، واعتبروا منها في سبيل الذكر، وزاحمتهم من الطوائف ... زمرة (٢) لبست لبسهم، وتكلمت كلمتهم، ونحن نجمع بين الطائفتين بمكان (٣) ... ومتعلقهم في ذلك أن السلف ما زالوا يبطنون مثل هذا المعنى، ويجعلونه من باطن علم القرآن الذي قالوا فيه: إن للقرآن ظاهراً وباطناً وحداً ومطلعاً (٤) .. ولقد صحبت منهم كثيراً، وفاوضتهم طويلاً .. وطالبتهم بالأدلة، فتعلقوا بما قدمته من آثار السلف، ومنهم من قال: هذا مقصود الشريعة من تأديب الخلق وإصلاحهم بالتصريح تارة، وبالِإشارة أخرى فإن القرآن نزل بلغة العرب ... وما من كلام إلا وهو في لسان العرب يحتمل وجوهاً، ويدل على معان لا يدرك حقيقتها إلا الكامل بنور العلم، أو لا ترى ما ورد في الحديث الصحيح عن ابن عباس أنه قال: كُنْتُ أُقْرِىءُ رِجَالًا مِنَ المهاجرين منهم عبدُ الرحمن ابنُ عَوْف، فبينما أنا في منزله بمنى، وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها، إذْ رَجَعَ إِليّ عَبْدُ الرحمن فقال: لو رأيتَ رجلاً أتى أميرَ المؤمنين، فقال: هل لك يَا أمِيرَ المؤمنين في فلان يقول: لو قد مَاتَ عمرُ لَقَد بَايَعْتُ فلاناً، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فَلْتَة فتمت، فغضب عمر ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العَشِيَّةَ في الناس، فَمُحَذِّرُهُمْ هؤلاء الذين يريدون أن


(١) انظر عنه رقم ٢١ من قائمة مؤلفات ابن العربي في هذا البحث.
(٢) لعلها الباطنية.
(٣) يقول المؤلف في موضع آخر من "العواصم" ١٧ "إن غلاة الصوفية ودعاة الباطية يتشبهون بالمبتدعة في تعلقهم بمشتبهات الآيات والآثار على محكماتها".
(٤) سيأتي تخريج هذا القول ص: ٥١٢ ت ١.

<<  <   >  >>