للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يغصبوهم أمورهم، قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وَغَوْغَاءَهُم، وإنهم هم الذين يغلبون على قُرْبكَ حين تَقُومُ في الناس، فأنا أخشى أن تقومَ فتقول مقالة يطيرها عنك كل مُطِيَرٍ، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسنة، فَتَخْلُصُ بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكناً فَيَعِي أهْلُ العلم مقالتَك ويضعوها على مواضعها (١).

قال القاضي أبو بكر بن العربي: فقد كان خوف سوء التأويل للقول، وحمله على غير وجهه، مخوفاً في الصدر الأول" (٢).

قلت: هذه الأدلة هي أهم ما استدل به أصحاب الإشارات من أصل القول بالمعاني الباطنة والإشارات الخفية، وقد ردّ ابن العربي على هذه الادعاءات بعد النظر فيها وتمحيصها فقال:

"فتلقفت جميع ذلك ووعيته، وأنا إلى أصل المأخذ ناظر، وعلى أعطافه بالتفكر مائل، والذي تحرر بعد تحرير الافتكار في سبيل النظر والاعتبار، أن الصريح عام في الدين، به جاء البرهان، وعليه دار البيان، فلا يجوز أن يعدل بلفظ صريح معناه إلى سواه، فإن ذلك تعطيل للبيان، وقلب له إلى الإشكال، فإذا تقرر الصريح في نصابه، فالإِشارة بعد ذلك إلى الأمثال والأشباه.

والتنبيه لوجه التشبيه أصل عظيم في العقل، وباب متسع في الدين وسبيل واضحة في الشريعة، فإن كانت في الأحكام فهو باب القياس، وإن كانت في التذكير والوعظ، فالعبرة مباحة، وإن كانت في التوحيد ولم يذكر في معرض المثل، فهي على حقيقتها لاحظ فيها لغير التنبيه بقدرة على قدرة وبتقديس على تقديس ... " (٣).


(١) أخرجه البخاري في الحدود: ١٢/ ١٤٤ (عن الفتح) انظر جامع الأصول لابن الأثير ٤/ ٩٠.
(٢) العواصم من القواصم ٢٦١ - ٢٦٣.
(٣) م، ن: ٢٦٥ - ٢٦٦.

<<  <   >  >>