للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أشار إلى القدرية واعتبرهم موازين في قولهم -إن العباد يخلقون الشر دون الله- للثنوية، وأبان رحمه الله بأن الكل هو خلق الله واستدل بقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: ٩٦] (١)، وهنا أود أن أقرر مذهب السلف رضي الله عنهم لأن مذهب ابن العربي في هذه المسألة أشعري المشرب، يقول بنظرية الكسب بمعنى أن أفعال العباد فعل الله، وليست للعبد، ولكنها تستند إليه لكسبه إياها، فهي مكسوبة للعبد وليست فعلاً له، وإن قدرة العبد لا تأثير لها في فعله ولا في صفة من صفاته وإنما أجرى الله سبحانه العادة بخلق مقدور العباد مقارناً لقدرتهم، فيكون الفعل مخلوقاً ومفعولاً لله وكسباً للعبد، فالكسب عندهم عبارة عن اقتران المقدور بالقدرة الحادثة، والخلق عن اقتران المقدور بالقدرة القديمة (٢).

ومذهب السلف في هذا الموضوع هو أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه على كل شيء قدير، وأنه الذي خلق العبد هلوعاً إذا مسّه الشر جزوعاً وإذا مسّه الخير منوعاً، وأن العبد فاعل لفعله حقيقة، وله مشيئة وقدرة، قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٨ - ٢٩] فالقرآن قد أثبت للعبد مشيئة، وأخبر أنها لا تكون إِلا بمشيئة الله، وهناك آيات عديدة تخبر بأن العباد يفعلون ويصنعون وأن لهم قوة واستطاعة، فالسلف يرون أن الله خالق لذلك كله، والعبد فاعل لفعله حقيقة. فالله خالق لكل شيء حقيقة ومن بينها أفعال العباد؛ لأنه خالق الأسباب ومسبباتها، وهو الذي أودع الأسباب قوة التأثير في مسبباتها، فالآيات التي تنسب الأفعال إلى الله تعالى هي حق فيما دلت عليه بدون تأويل؛ لأنَّ الله خالق كل شيء، والآيات التي تنسب الفعل إلى العبد هي حق فيما دلّت عليه بدون تأويل، لأن


(١) م، ن: ٤٦٣.
(٢) انظر قولهم هذا عند الأشعري: اللمع: ٦٩، الباقلاني: الإنصاف: ٤٠، البغدادي، أصول الدين: ١٣٣، الجويني: الإرشاد: ١٨٧، الشهرستاني: الملل والنحل: ٩٧، الإيجي ٨/ ١٤٥، ومقدمة المرحوم محمود قاسم لمناهج الأدلة لابن رشد: ١٠٨ - ١١٢.

<<  <   >  >>