للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الِإمام الغزالي انتقدها فخر الدين الرازي الأشعري بقوله: "ومن الأصحاب (يقصد الغزالي) من قال السميع البصير أكمل ممن ليس بسميع، والواحد منا سميع بصير، فلو لم يكن الله تعالى كذلك لكان الواحد منا أكمل من الله تعالى، وهو محال، وهذا ضعيف، لأن لقائل أن يقول: الماشي أكمل ممن لا يمشي، والحسن الوجه أكمل من القبيح، والواحد منا موصوف به، فلو لم يكن الله تعالى موصوفاً به لزم أن يكون الواحد منا أكمل من الله تعالى" (١).

ثم بعد أن قرر ابن العربي إثبات الصفات نفى أن يكون للباري جلّ وعلا شبه له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله (٢)، وقد اعتمد في تنزيهه على مجرد نفي التشبيه، والاعتماد على مجرد نفي الشبيه ليس بسديد لأنه ما من شيئين إلاَّ بينهما قدر مشترك، وقدر مميز، ولا يلزم من الاشتراك أو المشابهة المماثلة في حقيقة المعنى المشترك بينهما فمن المعلوم أن كل موجودين لا بدّ بينهما من قدر مشترك، كاتفاقهما في مسمى الوجود مثلًا والقيام بالنفس ونحو ذلك، ونفي ذلك القدر من المشابهة يؤدي إلى التعطيل كما ذهب إلى ذلك الفلاسفة في نفيهم للصفات نفياً محضاً، فلا بد من إثبات خصائص الربوبية في كل ما يتصف به بما هو مشترك بينه وبين عباده، ولولا ذلك القدر المشترك لما استطعنا أن نفهم معنى ما خوطبنا به من الصفات الِإلهية، فنثبت له صفاته على وجه لائق به؛ لأنه ليس كمثله شيء، ولما لم يكن في إثبات ذاته مماثلة بينها وبين بقية الذوات، كذلك صفاته ليس في إثباتها مماثلة لصفات غيره. وهذه الطريقة التي اجتباها ابن العربي هي التي ألجأته إلى تأويل آيات وأخبار الصفات بحجة أن ظاهرها لا يفهم منه إلاَّ ما يدل على صفات المُحْدَثِين، وهكذا فإنه لزم من توحيد ابن العربي ومن ذهب مذهبه تعطيل الصفات وتأويلها.

ثم بعد أن استدل ابن العربي - رحمه الله - على التوحيد ونفي التشبيه


(١) محصل أفكار المتقدمين: ١٢٤ (ط: الحسينية: ١٣٤٣).
(٢) قانون التأويل: ٤٦٢.

<<  <   >  >>