للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما إثبات صفتي السمع والبصر للباري جلّ شأنه فقد اختار ابن العربي منهج العقل في إثباتها مشنعاً على من ارتضى طريق السمع وحده، والحق أن طريق المتكلمين -في إثبات هاتين الصفتين- قد تباينت فمن قائل أن الدليل عليهما هو السمع فقط (١) ومن قائل بأن الأدلة عقلية ونقلية.

وقد اعتمد ابن العربي على نصّ لأبي إسحاق الِإسفراييني (ت: ٤١٨) من الأهمية بمكان، لم أعثر على من نسبه إليه في كتب المتكلمين رغم بحثي الجادّ عنه، وهو قوله في إثبات صفتي السمع والبصر: "لأنه قد خلقهما للعبد ومحال أن يخلق ما لا يعلم، وعليه نبه بقوله: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: ١٤] (٢) وقريباً من قول الإسفراييني ذهب ابن رشد (٣) في "مناهج الأدلة" (٤) حيث قال: "ولما كان الصانع من شرطه أن يكون مدركاً لكل ما في المصنوع وجب أن يكون له هذان الإدراكان، فواجب أن يكون عالماً بمدركات البصر وعالماً بمدركات السمع، إذ هي مصنوعات له .. ".

قلت: وقد ساق ابن العربي قول الغزالي في إثبات الصفتين السابقتين والذي معتمده فيه حجّة الكمال المشهورة، يقول الإِمام الغزالي: "من المعلوم أن الخالق أكمل من المخلوق، ومعلوم أن البصير أكمل ممن لا يبصر والسميع أكمل ممن لا يسمع، فيستحيل أن يثبت وصف كمال للمخلوق ولا نثبته للخالق" (٥).

قلت: ودليل الغزالي هذا يقرب من قول الِإسفراييني وابن رشد وثلاثتهم يعتمدون على فكرة واحدة وهي إثبات الكمال كله لله. إلاَّ أن حجة


(١) كنصير الدين الطوسي في كتابه تجريد الاعتقاد: ١٥٩ (عن المرحوم محمد صالح الزركان: فخر الدين الرازي وآراؤه الكلامية والفلسفية: ٣١٦) والجويني في الإرشاد: ٧٤.
(٢) قانون التأويل: ٤٦١.
(٣) ويحتمل أن يكون قد تأثر هذا الفيلسوف الفقيه بقول أبي إسحاق الإسفراييني المتكلم.
(٤) ص: ١٦٦.
(٥) إحياء علوم الدين: ١/ ١٣٨ (ط: الشعب).

<<  <   >  >>