للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

توسط فهو الناظر العدل، يجعل كل واحد منهما أصلاً عقلاً ونقلاً" (١).

قلت: ومفهوم التوسط عند ابن العربي هو تقديم العقل على الشرع، فقد صرح بهذا في كتابه "المتوسط في الاعتقاد" حيث قال:

" ... إن الشرع لا يجوز أن يَرِدَ بما يَرُدُّهُ العقل، وكيف يصحّ ذلك والعقل بمثابة المزكي للشرع والمعدِّل له، فكيف يصح أن يجرَّح الشاهد مزكيه .. " (٢).

العقل والنقل، هل يتعارضان؟.

إن مبحث صلة العقل بالنقل من أهم المباحث التي ثار حولها الجدل بين أهل الحديث المتبعين للكتاب والسنة، وبين علماء الكلام والفلاسفة الإِسلاميين المبتدعين للمناهج العقلية المناكبة للأدلة الشرعية، وقد رأينا ابن العربي قد أعجب بمناهج المتكلمين في وضع قانونهم الكلي، فتابعهم متابعة المأموم للإمام، باذلاً وسعه في تطبيق ما ارتضاه على مباحث الشريعة والتي يوهم ظاهرها منافاة صريح العقل، مع أن العقل الصريح لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يناقض منقولاً صحيحاً، وإنما الَّذي يظن أنه معقول قد عارض المنقول الصحيح فإنه لا يعدو أن يكون شبهات وخيالات طارئة أو كما سماها شيخ الإِسلام ابن تيمية: شبه سوفسطائية لا براهين عقلية (٣).

وكذلك ما يظن أنه منقول صحيح قد عارض المعقول الصريح، قد يكون المستدل به غالطاً في المتن بحيث يكون ذلك النص غير منقول عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بل قد يكون مكذوباً عليه، وقد يكون غالطاً في الاستدلال


(١) ابن العربي: قانون التأويل.
(٢) ابن العربي: المتوسط: ١١، وانظر هذا القانون الكلي عند الفخر الرازي في كتابه "أساس التقديس في علم الكلام": ١٧٢ - ١٧٣ (ط: مصطفى الحلبي ١٣٥٤)، "ومحصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من الفلاسفة والحكماء والمتكلمين": ٣١ "ط: الحسينية ١٣٢٣" وانظر بهامشه "معالم أصول الدين": ٩.
(٣) درء تعارض العقل والنقل: ١/ ١٥٦.

<<  <   >  >>