للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأختم هذه الأدلة بقول قيم لابن القيم رحمه الله الذي يقول في كتابه الروح: " ... وكيف تكون (أي النفس) قديمة مستغنية عن خالق محدث مبدع لها، وشواهد الفقر والحاجة والضرورة أعدل شاهد على أنها مخلوقة مربوبة مصنوعة، وإن وجود ذاتها وصفاتها وأفعالها من ربها وفاطرها، ليس لها من نفسها إلا العدم، فهي لا تملك لنفسها ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، لا تستطيع أن تأخذ من الخير إلا ما أعطاها وتتقي من الشر إلا ما وقاها، ولا تهتدي إلى شيء من صالح دنياها وأخراها إلا بهداه ... فهو الذي خلقها فسواها، وألهمها فجورها وتقواها، فأخبر سبحانه أنه خالقها ومبدعها، وخالق أفعالها من الفجور والتقوى" (١).

نعود إلى ابن العربي في "قانونه" فنراه يستعرض أقوال العلماء مثل الجويني الذي يعتقد في الروح معتقد أهل السنة والجماعة، والباقلاني الذي يرى أنها عرض، ثم تحصل لابن العربي من تلك الأقوال كلها أمران:

أحدهما: أن الروح بالدليل القاطع العقلي (٢) مخلوق من غير إشكال، يكفر جاحد ذلك.

الثاني: أن الروح بالدليل القاطع الشرعي باقية لا فناء لها (٣).

ولو اقتصر المؤلف على هذا لكفى ولكنه - رحمه الله - قال: "والنظر بعد ذلك في أنها عرض لوجود أو جوهر؟ فهذا موضع الِإشكال، ومحل الاجتهاد، وسبيل العذر في ذلك ممهد لمن اضطرب فيه قوله، واختلف عليه رأيه، والأقوى أنها عرض لا جوهر، وصفة غير موصوف، فإن التحامل على الألفاظ في تأويلها وصرفها من الحقيقة إلى المجاز، أقرب في النظر من الاضطراب في الأدلة العقلية التي توجب أنها لا تقوم بنفسها" (٤).


(١) الروح: ١٤٩.
(٢) قلت: بل والنقلي كذلك.
(٣) قانون التأويل: ٥٠٠.
(٤) م، ن: ٥٠١.

<<  <   >  >>