ثانياً: أن إبراهيم الخليل لو استدل بالأعراض على نحو استدلال المتكلمين لما قال: {قَالَ هَذَا رَبِّي} أولًا، ولما فرق بن النجم والشمس والقمر، ولكان دليله على أن النجم محدث يدل بعينه على أن كل جسم محدث، سواء كان مستدلاً لنفسه أم ملزماً لغيره؛ لأنه يكون قد أقام الحجة على الخصم بحدوث الأجسام حين أبطل ربوبية النجم، فلم أعاد، إلاستدلال عند رؤية القمر ثم أعاده عند رؤية الشمس؟.
ثالثاً: أن الله سبحانه ذكر عن الخليل عليه السلام أنه لما {رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٧٦ - ٧٩] ومعلوم أنه لما بزغ القمر كان في بزوغه متحركاً وكذلك الشمس، فلو كان إبراهيم الخليل يقصد الاستدلال بالحركة التي يسمونها تغيراً، لكان قد قال ذلك من حين رأى الكواكب بازغة، ولما انتظر أفولها.
رابعاً: أن إبراهيم عليه السلام لم يكن بصدد إثبات الصانع، بل كان بصدد الاستدلال على نفي الشريك وإبطال عبادة ما سوى الله لأن قومه كانوا مقرين بالصانع ولكنهم كانوا يشركون في عبادته غيره (١). أو على سبيل
(١) ولهذا قال لهم إبراهيم الخليل: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٧٥ - ٧٧]. فعادى كل ما يعبدونه إلاَّ رب العالمين وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [الممتحنة: ٤] وقال تعالى حكايه على الخليل عليه السلام: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: ٩٥ - ٩٦].