للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العرض عن كونه عرضاً، ولا خروج الجسم عن كونه جسماً، ومن أصول هذه الأصول أن الجوهر لا يخلو عن عرض، وأن العرض لا يصح وجوده دون ما يقوم به من جوهر أو جسم، وهذا كله متفق عليه بين العقلاء، ومعلوم عندهم قطعاً قبل النظر، ومنه ما هو معلوم بنظر، ويتركب عليه وجود الأكوان والألوان بالجواهر والأجسام على البدل والانفراد حسب نسبة كل واحد منها إلى الآخر من ضد أو خلاف، ويتركب عليه بعد ذلك النظر في أحكام جميعه بالنسبة إلى سَبَبٍ نَشَأتْ عَنْهُ، أو إلى كيفية هي عليه، أو إلى تركيب في وجود أو عدم، أو صفة فناء أو بقاء، أو إلى حال تركيب واستحالة، يكون بعده نظر في انحصار الأعراض إلى ألوان وأكوان، وانحصار الأكوان إلى حركة (١) وسكون (٢)، وانحصار الألوان إلى أحمر وأسود، وما بينهما من واسطة ترجع إليهما، أو تقف بينهما.

وأعظم من ذلك القول في انحصار العالم إلى الموجودات على ترتيبها وتدبيرها، ما بين وجود وعدم، وبقاء وفناء، وتكليف وإعفاء، وتعجيل وإمهال، ودنيا وآخرة، وثواب وعقاب، في عموم ذلك.

ومن هذا المتقدم أصل متفق عليه بين منزلتيْ النفي والإثبات وهو الوجود والعدم، والحركة والسكون فرعاً عليه (٣)، ومنه متفق عليه بين أهل الملل ومنه متفق عليه بين أهل السنة، ومن جملة المتفق عليه بما تقدم أن الجوهر لا يخلو عن حركة أو سكون ... ومن المختلف فيه القول في وجود لون خلاف ما شاهدناه، فمن قائل أن الألوان منحصرة، ومن قائل أنها غير منحصرة (٤) ومن واقف لم يحكم عليها بالحصر أو عدمه (٥).


(١) قال الجرجاني: الحركة هي الخروج من القوة إلى الفعل على سببل التدريج، وقيد بالتدريج ليخرج الكون عن الحركة. التعريفات: ٤٥.
(٢) قال الجرجاني: السكون هو عدم الحركة عما من شأنه أن يتحرك، فعدم الحركة عما ليس من شأنه الحركة لا يكون سكوناً فالموصوف بهذا لا يكون متحركاً ولا ساكناً. التعريفات ٦٤.
(٣) وفي نسخة مخطوطة من العواصم كتب بدل "فرعاً عليه" فرعي علته.
(٤) المراد بالانحصار وعدمه: التناهي وعدم التناهي.
(٥) العواصم من القواصم ١٣٦ - ١٣٧.

<<  <   >  >>