للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التأويل، بل ونراه يحض على التأويل بحماس شديد في كتابه "قانون التأويل" إذ قال فيه في معرض كلامه عن الألفاظ الموهمة للتشبيه في نظره: "وأبطل المستحيل عقلاً بأدلة العقل، والممتنع لغة بأدلة اللغة، والممتنع شرعاً بأدلة الشرع، وأبق الجائز من ذلك كله بأدلته المذكورة، ورجح بين الجائزات من ذلك كله إن لم يمكن اجتماعها في التأويل، ولا تخرج في ذلك عن منهاج العلماء، فقد اهتدى من افتدى، ولن يأتي أحد بأحسن بما أتى به من سبق أبداً" (١).

قلت: ويا ليت ابن العربي -رحمه الله وعفى الله عنا وعنه- دلنا على التقيد بمنهاج علماء السلف الذين يثبتون هذه المتشابهات -في نظره- بدون تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل، ولكنه -عفى الله عنا وعنه- أبى إلاَّ أن يتبع منهاج الخلف الذي لا يثبت أمام أدلة وبراهين أئمة السلف. وقد يطول بنا المقام لو رحنا نستقصي أدلة وحجج أهل السنة والحديث في إبطال تأويل الصفات الخبرية، ولكنني سأحاول أن ألخص بعض الردود اللطيفة التي


= الأشعري الذي ينتسبون إليه فإنه يثبت الصفات الخبرية من الاستواء والوجه واليدين وغيرها مما وصف الله تعالى به نفسه وما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - في السنة الصحيحة كما ذكر ذلك في آخر كتاب ألفه (كما هو الرأي الراجح لدى كرام العلماء) وهو المسمى "بالإبانة عن أصول الديانة، حيث قال: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكتاب ربنا عزّ وجلّ وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون وبما كان يقول أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته - قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون ... وجملة قولنا .. إن الله استوى على عرشه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] وأن له وجهاً كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: ٢٧] وأن له يدين بلا كيف كما قال: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥]، وأن له عيناً بلا كيف كما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: ١٤] الإبانة: ٥ - ١٦ (ط: جامعة الإِمام).
قلت: وإلى هذا الرأي ذهب الباقلاني الذي يصفه شيخ الإسلام ابن تيمية بأفضل المنتسبين إلى الأشعري ليس فيهم مثله لا قبله ولا بعده، انظر: مجموع الفتاوى ٥/ ٩٨، والباقلاني في التمهيد: ٢٥٨.
(١) قانون التأويل: وانظر العارضة: ١١/

<<  <   >  >>