للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ونحتذي في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين عَزَّ وَجَلَّ إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فإذا قلنا: يد وسمع وبصر، فإنما هو إثبات صفات أثبتها الله تعالى لنفسه، ولا نقول: أن معنى اليد القدرة، ولا أن معنى السمع والبصر، العلم. ولا نقول: إنها جوارح وأدوات للفعل، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار، التي هي أدوات وجوارح للفعل. ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: ٤]. (١)

قول الإِمام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر القرطبي (ت: ٤٦٣): قال رحمه الله في كتابه "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد": "أهل السنّة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلاَّ أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج، فكلهم ينكرها، ولا يحمل شيئاً منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله، وهم أئمة الجماعة والحمد لله" (٢).


(١) رسالة الصفات: لوحة ٤٣ - ٤٤ (مخطوط بالمكتبة الظاهرية تحت رقم: ١٦ مجاميع).
(٢) ابن عبد البر: التمهيد: ٧/ ١٤٥، وقد نقل هذه الفقرة كل من ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل: ٢/ ٢٥٦، وفي الفتوى الحموية: ٦٨، وبيان تلبيس الجهمية: ٢/ ٣٩، والذهبي في مختصر العلو: ٢٦٨، ولقد كررت ذكر هذا النص من التمهيد فأثبته في تعليقي على "قانون التأويل": - صفحة: ١٧٢ تعليق رقم (١) وعذري في هذا التكرار هو دقة كلام ابن عبد البر وأهميته.

<<  <   >  >>