للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: وقد ركز ابن العربي والأشاعرة بعامة على النوع الثالث وهو "توحيد الأفعال" وأجهدوا أنفسهم في تقرير الأدلة العقلية معتمدين في ذلك على دليل التمانع، وهذا وإن كان يفضي إلى توحيد الربوبية والإيمان بوجود خالق مدبر لهذا الكون، إلاَّ أنه لا يفي بالمطلوب الذي بُعث من أجله الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعين (١).

فتوحيد الربوبية لا يكاد ينازع فيه أحد، ولم تعتقد أي طائفة من الطوائف أن العالم له صانعان متماثلان في الصفات والأفعال، فمشركو العرب كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، وأن خالق السموات والأرض واحد كما أخبر تعالى عنهم بقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: ٢٥] وقال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [المؤمنون: ٨٤ - ٨٥].

كما أنهم لم يكونوا يعتقدون في الأصنام أنها مشاركة لله في خلق العالم، بل كان حالهم فيها كحال مشركي باقي الأمم، يعتقدون فيها أنها تماثيل قوم صالحين من الأنبياء والأولياء، فيتخذونهم شفعاء، ويتوسلون بهم إلى الله.

وقد نبه شيخ الإِسلام ابن تيمية على هذه الحقائق فقال: "إن عامة المتكلمين الذين يقررون التوحيد في كتب الكلام والنظر، غايتهم أن يجعلوا التوحيد ثلاثة أنواع فيقولون: هو واحد في ذاته لا قسيم له، واحد في صفاته لا شبيه له، واحد في أفعاله لا شريك له، وأشهر الأنواع الثلاثة عندهم هو الثالث، وهو توحيد الأفعال، وهو أن خالق الأفعال واحد، وهم يحتجون على ذلك بما يذكرون من دلالة التمانع وغيرها، ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب، وان هذا هو معنى قولِنَا "لا إله إلا الله" حتى أنهم يجعلون معنى الإلهية القدرة على الاختراع ومعلوم أن المشركين الذين بعث إليهم - صلى الله عليه وسلم - لم


(١) انظر ابن أبي العز: شرح العقيدة الطحاوية: ٢٥.

<<  <   >  >>