للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصدور ... فاعتذرنا، فما قبل عذري، وقيل لي: قد شاهدناك تملي فيه نيف على عشرين عاماً بالوسطى لملأ النشر، وأعجز عن تحصيله البشر، فقلت: كان ذلك والشباب بنضارته، والعمر في عنفوانه، فأما الآن وقد ولّيا، فقد ولّيا معهما، وهذا أوان تفريقي، فكيف أحاول أن أجمع تحقيقي (١) .... فجردت مئة ورقة قانوناً في التأويل لعموم آي التنزيل، تأخذ بصيغ الشادي، وتبيد الهمم للهادي (٢)، فمن وجده فإنه لباب الألباب، وشارع عظيم إلى كلّ باب".

قلت: وصدق المؤلف فيما ادّعاه من وضعه لهذا القانون لعموم آي التنزيل، فقد تناول في هذا الكتاب -على صغر حجمه بالمقارنة بتآليفه الأخرى- ما تباعد من العلوم المتصلة بالإِسلام تناول التقريب والتأليف، حتى أخرج من مجموعها مدارك عائدة على جميعها، تُبَصِّرُ بالغايات، وتكشف عن أسرار الحياة.

وإنه لحقيق لهذا الكتاب -بعد تحقيقه والتعليق على المسائل العقدية الواردة فيه- أن يأخذ بيد طلاب العلم إلى الغوص في أسرار العلوم والمعارف، والتمرس بأقوال العلماء.

ولقد أحس ابن العربي -وهو العالم المطلع على مختلف مناهج العلماء بالنقص المنهجي الشديد الذي يعانيه طلاب العلم، وبخاصة أن الأندلس -آنذاك- قد اعترى نجمها أفول طامس دخلت الأمة فيه في دور الوجود الأجدب، لما فارقت حرصها المعهود على طلب العلوم والتوق إلى المعارف، فأراد إمامنا -ابن العربي- أن يجدد العهد النيّر لأمته، فيعيد تكوين شخصيتها، ويربي كيانها، ويبعث فيها روح الحياة. وذلك بتأصيل قوانين وقواعد منهجية تُوجّه إلى مطالب اعتقادية وعملية مبدؤها وغايتها روح الدين،


(١) انظر مثل هذا الاعتذار اللبق اللطيف في قانون التأويل.
(٢) لم أعن بتحقيق نص هذا الكلام فقد اعتمدت على نسخة واحدة من "القبس".

<<  <   >  >>