للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحتى الأفكار المعروفة في كتب ابن العربي الصوفي نراها في شعر ابن السيدِ، التي يفسر بها ابن العربي {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: ٢٣] من أن كل من عبد إلهاً آخر ما عبد إلاَّ الله دون أن يدري فقد قضى ربك بذلك، وهذا ما يقوله ابن السيد:

وكل معبود سواك دلائل ... من الصنع تنبي أنه لك عابد (١)

قلت: وباستطاعتنا أن نعرف من مجموع هذه الأشعار وغيرها بما هو مبثوث في كتب التراجم والأدب، أن ثمة آراء فلسفية خطيرة وجدت في الساحة الأندلسية، وهذا هو الذي دفع فقيهنا ابن العربي إلى نقدهم بعنف في كتابيه "قانون التأويل" و"العواصم من القواصم".

لقد كان ظهور ابن العربي في أوائل القرن السادس حديثاً له اعتباره الخاص، لأنه كان من الشخصيات القلائل التي يؤثر ظهورها في مجرى التاريخ تأثيراً جوهرياً ينقطع به أو يكاد ذلك الِإلحاد الذي يسيطر أحياناً على منابع الحياة الفكرية، فلا يرتفع إلاَّ بظهور عبقرية عبادة في الالتزام بالفكر السليم، تفور بها المنابع الغائرة، وينقلب سير المجاري إلى تيارات لم تكن تندفع نحوها من قبل.

لقد امتاز ابن العربي بأسلوبه النقدي الذي لم ينسج على منوال سابق، فكان تراثه في نقد مدارس التصوف والفلسفة مناراً استضاء به العلماء، ومثالًا موجهاً للأساليب والنظريات التي استنارت بها عقلية العصور المتأخرة (٢).


(١) انظر هذه الأشعار بمجلة المورد العراقية، المجلد (٦) العدد (١) السنة ١٩٧٧. صفحة ٧٩.
وانظر الرد على أهل وحدة الوجود عند شيخ الإِسلام ابن تيمية: مجموع الفتاوى: ٢/ ١١١ - ١٢١، ٢٨٦ - ٢٩٤.
قلت: إذا كان المراد من الآية ما نسب إلى ابن العربي الصوفي، فلماذا أرسل الله تعالى الرسل وبعث الأنبياء، وأنزل الكتب، وقد اعترف المكذبون بالرسل أنهم مشركون كما أخبر الله تعالى عنهم في آيات كثيرة منها قوله: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [الأعراف: ٧٠] ففي هذه الآية وغيرها من الآيات اعتراف من المشركين بشركهم، وعبادة غير الله تعالى، فكيف يدعي أصحاب الحلول بعد هذا من أن كل من عبد إلهاً آخر ما عبد إلا الله دون أن يدري؟.
(٢) وهذا واضح جلي عند ابن الحاج العبدري وأبي إسحاق الشاطِ

<<  <   >  >>