للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أوائل العلماء الذين اطلعوا على كتاب "الإِحياء" ووقفوا على أغراضه ومقصاده، فحكَّ في صدره منه أشياء أنكرها عليه، وتوجسها منه، تخالف العقيدة السليمة والمنهج الحق، فاجتمع الفقهاء والعلماء وأداروا الرأي بينهم في شأن هذا الكتاب الذي شحن بنفثات الصوفية وآراء المتكلمين، فاجتمعت كلمتهم واتحدت وجهتهم على ضرورة إتلاف هذا الكتاب ووجوب التيقظ لشبهاته والتحصن من ضلالاته، ورفعوا أمره إلى أمير المسلمين علي ابن يوسف بن تاشفين، فصار الأمير إلى ما ارتأى الفقهاء ونزل على رأيهم، وأصدر أمره إلى جميع الأقاليم بمصادرة الكتاب وإحراقه، وأمر بتفتيش المكتبات الخاصة والعامة، وأن يحلّف من يشك في أمرهم بالأيمان المغلظة بأنهم لا يملكون كتاب "الإحياء"، كما أمر بمنع دخول جميع كتب الغزالي إلى المغرب والأندلس وأنزل أشد العقوبات بمن وجد عنده منها شيئاً (١).

وقد نفذ أمر ابن تاشفين على أتم وجه وأكمله، حيث جمعت كلّ نسخ "الِإحياء" التي تم العثور عليها، ووضعت على الباب المغربي من مسجد قرطبة الجامع، وأشبعت زيتاً كي يسهل احتراقها، بحضور جماعة من أعيان قرطبة وعلمائها يتقدمهم قاضي الجماعة ابن حمدين، وكان ذلك سنة ٥٠٣ (٢). ويذكر لنا ابن القطان أن الإحراق استمر في مختلف الجهات بقية


= على الإمام أبي حامد في طريقة التصوف، وألف في الرد عليه" انظر ترجمته عند: ابن بشكوال: الصلة ٢/ ٥٧٠، الذهبي: سير أعلام النبلاء: ١٩/ ٤٢٢، المقري: نفح الطيب: ٣/ ٥٣٧.
(١) مؤلف مجهول: الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية: ١٠٤. (تحقيق سهيل زكار وزميله: الدار البيضاء ١٩٧٩ م).
(٢) هذا هو التاريخ المتفق عليه عند العلماء، انظر: محمد عبد الله عنان: عصر المرابطين والموحدين: ٧٩، ويرى الأستاذ محيي الدين عزوز التونسي في كتابه "التطور المذهبي بالمغرب": ٧٥ أن الإحراق كان سنة: ٥٠٠ ولا أدري ما هو معتمده في ذلك؟ أما الأستاذ عباس الجراري في "الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه" ١/ ٩٤ (ط: المغرب ١٩٧٩) فيرى التوقف في تعيين سنة الإحراق. وأغرب من هذا فإن الأستاذ إبراهيم حركات في "المغرب عبر التاريخ" ١/ ١٩٤ (ط: الدار البيضاء ١٩٥١) ينكر قصة الإحراق أصلاً بدو

<<  <   >  >>