للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: أبْيَضَ مِثلَ الصَفَا، فَلَا تَضُرهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السمَوَاتُ وَالأرْضُ، والآخَرُ: أسْوَدُ مُرْبَادّاً (١)، كَالكُوزِ مجُخِّيَا (٢)، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفاً وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَراً" (٣).

وهذا كلام يحوم على مقاصد الفلاسفة، فإنهم يَدَّعُونَ أن العبد إذا أقبل على الله بالكلية، واشتغل بمحو ما ينبغي عن النفس، وواظب على اكتساب ما ينبغي، ولازم الذكر حتى يجري منه مجرى النفس، صفا قلبه، فتجلت فيه جميع المعلومات، إذ خُلِقَ القلب صقيلًا كالمرآة (٤)، فإذا قابلته المعلومات تجلت فيه ما لم يصدأ، فإذا طهر بدفع المعاصي والفضول، بَقِيَ صقيلًا فتجلت فيه الحقائق ولا يفتقر إلى تعلم.

تبصير:

تأملوا -وفقكم الله وبصّركم- ما أبسطه لكم ها هنا من الكلام، فإنه وإن كان صعب المرام يفضي بكم إلى أرحب مقام.


(١) المُرْبَادُّ وَالمُرْبَدُّ: الذي في لونه رُبْدَة، وهي بين السواد والغُبْرَةِ.
(٢) المُجَخِّي: المائل عن الاستقامة والاعتدال.
(٣) هذا جزء من حديث طويل رواه مسلم في الإيمان رقم: ١٤٤ باب بيان أن الإِسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً.
(٤) يقول المؤلف في العواصم: ٤٢: "وأما المرآة فلا يصح التمثيل بها في هذه القضية، وأنا أعلم بسرهم فيها واعتقادهم في حقيقتها، فإنهم بنوها على أن الإدراك فيها إنما يكون بانعكاس الأشعة على زوايا في مرايا، وذلك مذكور في كتب المناظر وخاصة المنسوبة إلى ابن الهيثم".
قلت: ابن الهيثم هو أبو علي الحسن بن الحسن (٣٥٤ - ٤٣٠) وهو من أعظم علماء الطبيعة المسلمين والباحثين الأفذاذ في البصريات واشتهر في الكتب اللاتينية باسم AVENTAINI انظر: دائرة المعارف الفرنسية ٣/ ٨١١ (ط. الثانية: باريز) وعيون الأنباء لابن أبي أصبيعة: ٣/ ١٤٩، وكتاب المناظر يحتوي على سبع مقالات وهو من أهم كتبه، وكان المرجع المعتمد عند أهل أوروبا حتى القرن ١٦ للميلاد وترجم إلى لغات عديدة، ويوجد مخطوطاً بمكتبة الفاتح بإستانبول رقم: ٣٢١٣ - ٣٢١٦، وفي آية صوفيا رقم: ٢٤٤٨.

<<  <   >  >>