للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما من اعتقد أن لها معاني سوى المفهوم منها، فهو عدول عن الظاهر لغير ضرورة، وما أخبر الله عنه من البعث والحشر والصراط والحوض والجنة ونعيمها والنار وعذابها، كل ذلك ممكن في القدرة، فلا شيء يرد ظاهره، وإنما يطلب تأويل الخبر إذا عارض ظاهره دليل من الأدلة العقلية، وهذا يتبين لكم بتتبع الآيات والأخبار، فإنه لم يرد منها شيء يرد ظاهره العقل حتى يفتقر فيه إلى تأويل.

فإن قيل: بل قد ورد في الخبر ما يعترض على العقل في مواطن كثيرة من أدناه قول الصادق: "إِنَّ أقَل أهْلِ الجَنَةِ مَنْزِلَة يُؤْتَى مثل الدُنْيَا وَعَشْر أمْثَالِهَا" (١) وهذا بعيد عقلاً.

قلنا: من أي طريق يبعد وخالق الدنيا مرة يجوز أن يخلقها ألف مرة، وليت شعري ما الذي أحرج بعض الأشياخ إلى أن يقول (٢): إنه يؤتى مثل


= والملل الآتية على لسان نبي من الأنبياء يرام بها خطاب الجمهور كافة": ٤٤، ويقول عَمَّا ورد في الشرع من أمور الآخرة: " ... بل التعبير عنها بوجوه من التمثيلات المقربة إلى الأفهام".
ويقول في كتابه "النجاة": القسم الثاني: ٢٩٨ (ط: السعادة: ١٩٣٨):
" (إن النفس) تتخيل جميع ما كانت اعتقدته من الأحوال الأخروية، وتكون الآلة التي يمكنها بها التخيل شيئاً من الأجرام السماوية، فتشاهد جميع ما قيل لها في الدنيا من أحوال القبر والبعث والخيرات الأخروية، وتكون الأنفس الردية أيضاً تشاهد العقاب المصور لهم في الدنيا وتقاسيه ... ".
قلت: انظر في نقد هذه السخافات: الغزالي: تهافت الفلاسفة: ٢٨٧، ابن تيمية: الرد على المنطقيين: ٢٨١.
(١) نحوه من حديث طويل رواه الإِمام أحمد: ٣/ ٢٦ - ٢٧ والبخاري في الرقائق: ٨/ ١٤٦ والترمذي في أبواب صفة جهنم: ٤/ ١١٢ (ط: عبد الرحمن محمد عثمان) وابن ماجه في الزهد رقم: ٤٣٩٥ (ط: الأعظمي).
(٢) القائل هو الإِمام الغزالي، إذ صرح المؤلف في العواصم باسمه وزعم أن هذا الكلام قاله له الإِمام، وقد توسع المؤلف في الرد عليه انظر: العواصم: ٣٣٣ - ٣٣٥.

<<  <   >  >>