للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يرتقي به إلى الدرجة العليا، وقد يتفق أن يحسن فيه النية، فيكون قربة، لكنه دون العلم الأفضل الذي هو معرفة نفسه وربه بدوام حضوره في القلب، وحسن الحال في اكتسابه كما جاء في بيانه، والمشتغل بهذا العلم وحده من العاكفين على الدنيا، لم يختصوا بالمولى، فذلك الذي أوقعهم في الترخص بالذنوب، والتَّرَخُّصِ بالعيوب.

فإن قيل: فإن لم يكن عالماً، أيكون جاهلاً؟ أو تحكمون عليه بالكفر كما قالت فرقة (١)؟.

قلنا: لما كان هذا موضع إشكال على العامة، اضطربت فيه آراؤهم، وقد أوردنا تحقيقه بالغاية في كتاب "المشكلين".

وهذه نكتة منه يسيرة بحسب ما يحتمله هذا "القانون" وهي أنا نقول: إذا واقع العبد المعصية فلا يخلو إما أن يكون لاهياً عن الوعيد أو ذاكراً له، فإذا كان لاهياً عنه لم يحضره ذكره فهو من {الَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} (٢).

وممن آتاه آياته فأعرض عنها، لأنه يجب عليه أن يحضر ذكر التحريم في هذا المقام العظيم، فإذا لم يخلق الله الذكر له فقد أراد هلكته، وعليه إثم


(١) وهم الخوارج إذ أجمعوا -كما قال الإسفراييني في التبصير في الدين- ٤٦، والرازي في اعتقادات فرق المسلمين والمشركين: ٤٦ - على أن مرتكب الكبيرة كافر ومخلد في النار، انظر: الأشعري مقالات الإِسلاميين: ١/ ١٦٨، الشهرستاني: الملل والنحل: ١١٩، والواقع أن الباحث الذي يدرس مقالات كُتَّاب الفرق عن آراء الخوارج، دراسة مقارنة مع آرائهم كما هي في كتبهم يرى أن الخوارج لم يُجْمِعُوا صراحةً إلاَّ على إكفار علي وعثمان والحكمين وأصحاب الجمل أما ما عدا ذلك فقد اختلفت فرق الخوارج فيه اختلافاً كثيراً.
(٢) الآية ١٩ من "الحشر".

<<  <   >  >>