أمك (١). فلا يصح أن يكون المراد بهذه الآية هذا، لأن قول الموهوبة:"وهبت نفسي لك" لا ينعقد به نكاح، ولا بدّ له من عقده مع الولي، فهل ينعقد بلفظه وصفته أم لا؟ مسألة أخرى لا ذكر في الآية لها.
الثاني: إن المقصود بالآية خلو النكاح عن الصداق، وله حالتان كما قدمنا، وإليه يرجع الخلوص.
الثالث: أنه قال بعد ذلك: {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} فذكره في جنبته بلفظ النكاح المخصوص لهذا العقد، فهذا يدل على أن المرأة وهبت نفسها بغير صداق، فإن أراد النبي أن يتزوج تزوج، فيكون النكاح حكماً مستأنفاً لا تعلق له بلفظ الهبة إلا في المقصود من الهبة، وهو سقوط العوض وهو الصداق.
الرابع: أنا لا نقول إن النكاح بلفظ الهبة في حقه - صلى الله عليه وسلم - جائز من هذا اللفظ، فإن تقدير الكلام على ما بيناه: أحللنا لك أزواجك، وأحللنا لك المرأة الواهبة نفسها خالصة، فلو جعلنا قوله:{خَالِصَةً} حالاً من الصفة التي هي ذكر الهبة دون الموصوف الذي هو المرأة وسقوط الصداق: لكان اختلالاً من القول، وعدولاً عن المقصود، وذلك لا يجوز عربية ولا معنى.
ألا ترى أنك لو قلت: أحدثك بالحديث الرباعي خالصاً لك دون أصحابك، لما كان رجوع الحال إلاَّ إلى المقصود الموصوف، وهو الحديث هذا، وهو على نظام التقدير.
(١) أخرجه النسائي في النكاح، باب إنكاح الابن أمّه: ٦/ ٨١ وإسناده صحيح كما قال الحافظ في الإصابه: ٤/ ٤٥٩.