للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدها: سر ما بيني وبين الله.

والثاني: معاينتي للباطل قد دمّر الأرض، فأردت أن أصلح ما تمكنت منها، من كف الظلم والاعتداء (١)، وبث الأمن، وحفظ الأموال، وكف الأطماع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفك الأسير، والتحصين على الخلق بالسور، والمساواة في الحق بين الصغير والكبير، فحكمت حتي أرِجَت أقْطَارِي، وَرُفِعَ السَّمَر بِأخْبَارِي، فَضَجَّ العُداة، وظهر الولاة حين صَفُرَ وِطَافُهُم من الحرام، وابيضت صحائفهم من الآثام، فَدَسُّوا إليّ نفراً من العامة فثاروا على، وساروا إليّ، فَنُهِبَت داري، وهم قيام ينظرون، ولا يغيرون ولا ينكرون، فانتشلوا مالي، وهدموا مسجدي وداري ... وتعرضوا لنفسي فَكَفَّ الله أيديهم عني، ولقد وطّنتها على التلف وأنا أنشد لخُبَيْب:

وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِماً ... عَلَى أيِّ جَنْبٍ كَانَ في الله مَصْرَعِي (٢)

وأمسيت سليب الدار، ولولا ما سبق من حسن الأقدار لكنت قتيل الدار (٣).


(١) ومن أمثلة رفعه للظلم ما قَصَّه علينا في الأحكام: ٥٩٧ " ... ولقد كنت أيام تولية القضاء قد رفع إلي قوم خرجوا محاربين إلى رفقة، فأخذوا منهم امرأة مغالبة على نفسها من زوجها فَاحْتَمَلوهَا، ثم جَدّ فيهم الطلب فجيء بهم، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين، فقالوا: ليسوا محاربين لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفَرْجِ، فقلت لهم: إنا لله وإنا إليه راجعون! ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال، وإن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم، ولا يحرب المرء من زوجته وبنته، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يَسْلُبُ الفروج، وحسبكم من بلاء صحبة الجهال، وخصوصاً في الفتيا والقضاء" انتهى بتصرف يسير.
(٢) هو الصحابي الجليل خُبَيْب بن عدي الأنصاري الشهيد، شهد أحداً، وقد أنشد هذا الشعر عندما قبض عليه كفار قريش وصلبوه بالتنعيم، انظر قصته في البخاري: المغازي: ٧/ ٢٩١ - ٢٩٥ (من فتح الباري).
(٣) وحول هذه القصة المؤلمة يقول في العواصم: ٤٠٠ - ٤٠١ "ولقد حكمت بين الناس، فألزمتهم الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لم يك يرى في الأرض منكر، واشتد الخطب على أهل الغصب، وعظم على الفسقة الكرب، فتألبوا وألبوا، وثاروا إلي، واستسلمت لأمر الله، وأمرت كل من حولي ألا يدفعوا عن داري، وخرجت على السطو

<<  <   >  >>