فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ،
ــ
[مغني المحتاج]
الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ: بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بِالتَّمْرِ» بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ «وَرَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا» وَقِيسَ بِهِ الْعِنَبُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا زَكَوِيٌّ يُمْكِنُ خَرْصُهُ وَيُدَّخَرُ يَابِسُهُ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَعًا عَلَى الشَّجَرِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الرِّبَا، وَكَالرُّطَبِ الْبُسْرُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ كَالْحَاجَةِ إلَى الرُّطَبِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. قِيلَ وَمِثْلُهُ الْحِصْرِمُ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْحِصْرِمَ لَمْ يَبْدُ بِهِ صَلَاحُ الْعِنَبِ وَبِأَنَّ الْخَرْصَ لَا يَدْخُلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاهَ كِبَرُهُ بِخِلَافِ الْبُسْرِ فِيهِمَا.
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْجَوَازِ فِي الْعَرَايَا مَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالثَّمَرِ زَكَاةٌ كَأَنْ خُرِصَتْ عَلَيْهِ وَضَمِنَ أَوْ قُلْنَا الْخَرْصُ تَضْمِينٌ أَوْ لِنَقْصِهَا عَنْ النِّصَابِ أَوْ لِكُفْرِ صَاحِبِهَا، وَمَحَلُّ الرُّخْصَةِ (فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) تَحْدِيدًا بِتَقْدِيرِ الْجَفَافِ بِمِثْلِهِ، لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» شَكَّ دَاوُد بْنُ حُصَيْنٍ أَحَدُ رُوَاتِهِ، فَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِالْأَقَلِّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ، وَيَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَلَا يَجُوزُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا قَطْعًا، وَحَيْثُ زَادَ عَلَى مَا دُونَهَا يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَا يَخْرُجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي فَصْلِهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالزِّيَادَةِ رِبًا فَبَطَلَ جَمِيعُهُ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي النَّقْصِ عَنْ الْخَمْسَةِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ حَتَّى قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَكْفِي نَقْصُ رُبُعِ مُدٍّ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى تَفَاوُتِ مَا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ، فَإِنَّ رُبُعَ الْمُدِّ وَالْمُدَّ يَقَعُ التَّفَاوُتُ بِهِ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ غَالِبًا لَا سِيَّمَا فِي الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَالْمُرَادُ بِالْخَمْسَةِ أَوْ مَا دُونَهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ الْجَافِّ وَإِنْ كَانَ الرُّطَبُ الْآنَ أَكْثَرَ، فَإِنْ تَلِفَ الرُّطَبُ أَوْ الْعِنَبُ فَذَاكَ، وَإِنْ جُفِّفَ وَظَهَرَ تَفَاوُتٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ، فَإِنْ كَانَ قَدْرَ مَا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute