وَحَيْثُ مُنِعَ فَتْحُ الْبَابِ فَصَالَحَهُ أَهْلُ الدَّرْبِ بِمَالٍ صَحَّ.
وَيَجُوزُ فَتْحُ الْكَوَّاتِ،
ــ
[مغني المحتاج]
{امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} [القصص: ٢٣] وَجَوَّزَ ابْنُ فَارِسٍ فِيهِ الْيَاءَ مِنْ تَحْتُ (وَحَيْثُ مُنِعَ فَتْحُ الْبَابِ فَصَالَحَهُ أَهْلُ الدَّرْبِ بِمَالٍ صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْأَرْضِ بِخِلَافِ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ بَذْلُ مَالٍ فِي مُقَابَلَةِ الْهَوَاءِ الْمُجَرَّدِ، هَذَا إذَا صَالَحُوهُ عَلَى الِاسْتِطْرَاقِ.
أَمَّا إذَا صَالَحُوهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْفَتْحِ بِمَالٍ فَلَا يَصِحُّ قَطْعًا، ثُمَّ إنْ قَدَّرُوا لِلِاسْتِطْرَاقِ مُدَّةً فَهُوَ إجَارَةٌ، وَإِنْ أَطْلَقُوا أَوْ شَرَطُوا التَّأْبِيدَ فَهُوَ بَيْعُ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الدَّرْبِ لَهُ، وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ أَحَدِهِمْ: كَمَا لَوْ صَالَحَ رَجُلًا عَلَى مَالٍ لِيُجْرِيَ فِي أَرْضِهِ مَاءُ النَّهْرِ كَانَ ذَلِكَ تَمْلِيكًا لِمَكَانِ النَّهْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَالَحَهُ بِمَالٍ عَلَى فَتْحِ بَابٍ مِنْ دَارِهِ، أَوْ أَنْ يُجْرِيَ الْمَاءَ عَلَى سَطْحِهِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الدَّارِ وَالسَّطْحِ؛ لِأَنَّ السِّكَّةَ لَا تُرَادُ إلَّا لِلِاسْتِطْرَاقِ فَإِثْبَاتُهُ فِيهَا يَكُونُ نَقْلًا لِلْمِلْكِ.
وَأَمَّا الدَّارُ وَالسَّطْحُ فَلَا يُقْصَدُ بِهِمَا الِاسْتِطْرَاقُ وَإِجْرَاءُ الْمَاءِ. وَقَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَوَازَ فِي تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَعَدَمِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالدَّرْبِ مَسْجِدٌ وَنَحْوُهُ كَدَارٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ إذْ الْبَيْعُ يُتَصَوَّرُ فِي الْمَوْقُوفِ وَحُقُوقِهِ. قَالَ: وَأَمَّا الْإِجَارَةُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَيُتَّجَهُ فِيهَا تَفْصِيلٌ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ اسْتِخْرَاجُهُ.
وَلَوْ أَذِنَ صَاحِبُ الدَّرْبِ لِإِنْسَانٍ فِي حَفْرِ سِرْدَابٍ تَحْتَ دَارِهِ ثُمَّ بَاعَهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ كَمَا كَانَ لِلْبَائِعِ، قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ.
(وَيَجُوزُ) لِلْمَالِكِ (فَتْحُ الْكَوَّاتِ) فِي جِدَارِهِ فِي الدَّرْبِ النَّافِذِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِمْ سَوَاءٌ أَكَانَ لِلِاسْتِضَاءَةِ أَمْ لَا أَذِنُوا أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ إزَالَةَ جِدَارِهِ وَجَعْلَ شُبَّاكٍ مَكَانَهُ، وَالْكَوَّاتُ جَمْعُ كَوَّةٍ بِفَتْحِ الْكَافِ: الطَّاقَةُ، وَفِي لُغَةٍ غَرِيبَةٍ بِضَمِّهَا وَالْوَاوُ مُشَدَّدَةٌ فِيهِمَا وَجَمَعَهَا الْمُصَنِّفُ جَمْعَ تَصْحِيحٍ، وَفِي كَافِهِ اللُّغَتَانِ، وَيُجْمَعُ جَمْعَ تَكْسِيرٍ فَتُجْمَعُ الْمَفْتُوحَةُ عَلَى كِوَاءٍ بِالْكَسْرِ مَعَ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ، وَالْمَضْمُومَةُ عَلَى كُوًى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ.
تَنْبِيهٌ: غَالِبُ مَا تُفْتَحُ الْكَوَّاتُ لِلِاسْتِضَاءَةِ، وَلَهُ نَصْبُ شُبَّاكٍ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنْ خَرَجَ هُوَ أَوْ غِطَاؤُهُ كَانَ كَالْجَنَاحِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا، فَإِنَّ الْعَادَةَ أَنْ يُعْمَلَ فِي الطَّاقَاتِ أَبْوَابٌ تُخْرِجُ فَيُمْنَعُ مِنْ هَوَاءِ الدَّرْبِ، هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ الْفَتْحُ لِلِاسْتِطْرَاقِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَلَا مَنْعَ مِنْ أَبْوَابِ الطَّاقَاتِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْجَوَازِ بَيْنَ كَوْنِ الْكَوَّةِ عَالِيَةً أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَيَّدَهُ الْجُرْجَانِيِّ بِمَا إذَا كَانَتْ عَالِيَةً لَا يَقَعُ النَّظَرُ مِنْهَا إلَى دَارِ جَارِهِ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِجَوَازِ فَتْحِ كَوَّةٍ فِي مِلْكِهِ مُشْرِفَةً عَلَى جَارِهِ وَعَلَى حَرِيمِهِ، وَلَيْسَ لِلْجَارِ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ رَفْعَ جَمِيعِ الْحَائِطِ لَمْ يُمْنَعْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute