وَالْجِدَارُ بَيْنَ مَالِكَيْنِ قَدْ يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَقَدْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ فَالْمُخْتَصُّ لَيْسَ لِلْآخَرِ وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فِي الْجَدِيدِ، وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ،
ــ
[مغني المحتاج]
مِنْهُ، فَإِذَا رَفَعَ بَعْضَهُ لَمْ يُمْنَعْ (وَالْجِدَارُ بَيْنَ مَالِكَيْنِ) لِبِنَاءَيْنِ (قَدْ يَخْتَصُّ) أَيْ يَنْفَرِدُ (بِهِ أَحَدُهُمَا) وَيَكُونُ سَائِرًا لِلْآخَرِ (وَقَدْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ فَالْمُخْتَصُّ) بِهِ أَحَدُهُمَا (لَيْسَ لِلْآخَرِ وَضْعُ الْجُذُوعِ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ خَشَبِهِ (عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فِي الْجَدِيدِ، وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ) لَهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ وَضْعِهَا لِخَبَرِ «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فِي مُعْظَمِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ فِي بَعْضِهِ.
وَلِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» قَالَ الْمُصَنِّفُ: حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالْقَدِيمُ يَجُوزُ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ الْمَالِكُ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا: أَيْ عَنْ السُّنَّةِ مُعْرِضِينَ، وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ: أَيْ بَيْنَكُمْ، وَرُوِيَ بِالنُّونِ، وَمَعْنَاهُ أَيْضًا بَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْكَنَفَ هُوَ الْجَانِبُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَمْ نَجِدْ فِي السُّنَّةِ مَا يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَا تَصِحُّ مُعَارَضَتُهُ بِالْعُمُومَاتِ.
وَأَجَابَ عَنْهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ لِقُوَّةِ الْعُمُومَاتِ الْمُعَارَضَةِ، وَبِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي جِدَارِهِ لِصَاحِبِ الْخَشَبِ: أَيْ لَا يَمْنَعُ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِ نَفْسِهِ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ مِنْ جِهَةِ مَنْعِ الضَّوْءِ وَنَحْوِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَتَأَيَّدُ بِأَنَّهُ الْقِيَاسُ الْفِقْهِيُّ وَالْقَاعِدَةُ النَّحْوِيَّةُ، فَإِنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ الْأَوَّلِ فَوَجَبَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يَقْتَضِي التَّعْبِيرُ بِالْجَدِيدِ أَنَّ مُقَابِلَهُ قَدِيمٌ مَحْضٌ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَيْضًا، حَكَاهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ مِنْ رُوَاةِ الْجَدِيدِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَ الْقَدِيمَ مُطْلَقٌ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَهُ شُرُوطٌ: أَنْ لَا يَحْتَاجَ الْمَالِكُ إلَى وَضْعِ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ، وَأَنْ لَا يَزِيدَ الْجَارُ فِي ارْتِفَاعِ الْجِدَارِ، وَأَنْ لَا يَبْنِيَ عَلَيْهِ أَزَجًا، وَأَنْ لَا يَضَعَ عَلَيْهِ مَا لَا يَحْمِلُهُ الْجِدَارُ وَلَا يَضُرَّ بِهِ، وَأَنْ لَا يَمْلِكَ الْجَارُ شَيْئًا مِنْ جِدَارِ الْبُقْعَةِ الَّتِي يُرِيدُ تَسْقِيفَهَا، وَأَنْ لَا يَمْلِكَ إلَّا جِدَارًا وَاحِدًا، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْوَضْعِ اخْتِصَاصُ الْخِلَافِ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إدْخَالُ الْجُذُوعِ فِي الْحَائِطِ قَطْعًا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِيهِ أَيْضًا، وَفَرْضُ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ فِي الْجِدَارِ بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ يُخْرِجُ السَّابَاطَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَهُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute