وَلَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَهَيَّجَهُ فَطَارَ ضَمِنَهُ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا طَارَ فِي الْحَالِ ضَمِنَ، وَإِنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ فَلَا.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الرِّيحَ لَوْ كَانَتْ هَابَّةً عِنْدَ الْفَتْحِ ضَمِنَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَمِنْ تَفْرِقَتِهِمْ بَيْنَ الْمُقَارِنِ وَالْعَارِضِ، فِيمَا إذَا أَوْقَدَ نَارًا فِي أَرْضِهِ فَحَمَلَهَا الرِّيحُ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا، وَلَوْ قَلَبَ الزِّقَّ غَيْرُ الْفَاتِحِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ ضَمِنَهُ دُونَ الْفَاتِحِ، وَلَوْ أَزَالَ وَرَقَ الْعِنَبِ فَفَسَدَتْ عَنَاقِيدُهُ بِالشَّمْسِ ضَمِنَهُ، أَوْ ذَبَحَ شَاةَ رَجُلٍ، فَهَلَكَتْ سَخْلَتُهَا أَوْ حَمَامَةٌ فَهَلَكَ فَرْخُهَا ضَمِنَهَا لِفَقْدِ مَا يَعِيشَانِ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ حَبَسَ الْمَالِكُ عَلَى مَاشِيَتِهِ وَلَوْ ظُلْمًا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ التَّالِفَ هُنَا جُزْءٌ أَوْ كَالْجُزْءِ مِنْ الْمَذْبُوحِ بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ مَعَ مَالِكِهَا، وَبِأَنَّهُ هُنَا أَتْلَفَ غِذَاءَ الْوَلَدِ الْمُتَعَيَّنَ لَهُ بِإِتْلَافِ أُمِّهِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ، وَلَوْ أَرَادَ سَوْقَ الْمَاءِ إلَى النَّخْلِ أَوْ الزَّرْعِ، فَمَنَعَهُ ظَالِمٌ مِنْ السَّقْيِ حَتَّى فَسَدَتْ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ كَمَا لَوْ حَبَسَ الْمَالِكُ عَنْ الْمَاشِيَةِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ الضَّمَانِ.
وَلَوْ حَلَّ رِبَاطَ سَفِينَةٍ فَغَرِقَتْ بِحَلِّهِ ضَمِنَهُ أَوْ بِعَارِضِ رِيحٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا لِمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَادِثٌ فَوَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَدَمُ الضَّمَانِ لِلشَّكِّ فِي الْمُوجِبِ كَمَا مَرَّ.
(وَلَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَهَيَّجَهُ فَطَارَ) فِي الْحَالِ (ضَمِنَهُ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى الْفِرَارِ كَإِكْرَاهِ الْآدَمِيِّ (وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا طَارَ فِي الْحَالِ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّ طَيَرَانَهُ فِي الْحَالِ يُشْعِرُ بِتَنْفِيرِهِ (وَإِنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ فَلَا) يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّ طَيَرَانَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ يُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ. وَالثَّانِي: يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْتَحْ لَمْ يَطِرْ. وَالثَّالِثُ: لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ لَهُ قَصْدًا وَاخْتِيَارًا، وَالْفَاتِحُ مُتَسَبِّبٌ، وَالطَّائِرُ مُبَاشِرٌ، وَالْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى السَّبَبِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ حَلَّ رِبَاطَ بَهِيمَةٍ أَوْ فَتَحَ بَابًا فَخَرَجَتْ وَضَاعَتْ، وَفِيمَا لَوْ حَلَّ قَيْدَ رَقِيقٍ مَجْنُونٍ وَفَتَحَ عَلَيْهِ الْبَابَ، بِخِلَافِ الرَّقِيقِ الْعَاقِلِ وَلَوْ كَانَ آبِقًا؛ لِأَنَّهُ صَحِيحُ الِاخْتِيَارِ، فَخُرُوجُهُ عَقِبَ مَا ذُكِرَ يُحَالُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَخَذَتْهُ هِرَّةٌ بِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ وَقَتَلَتْهُ وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ الْقَفَصَ، أَوْ لَمْ يُعْهَدْ ذَلِكَ مِنْهَا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا أَوْ طَارَ فَصَدَمَ جِدَارًا فَمَاتَ أَوْ كَسَرَ فِي خُرُوجِهِ قَارُورَةً أَوْ الْقَفَصَ، ضَمِنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ مِنْ فِعْلِهِ؛ وَلِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الْأُولَى بِمَعْنَى إغْرَاءِ الْهِرَّةِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْهِرَّةُ حَاضِرَةً وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ كَعُرُوضِ رِيحٍ بَعْدَ فَتْحِ الزِّقِّ، وَلَوْ كَانَ الطَّائِرُ فِي أَقْصَى الْقَفَصِ فَأَخَذَ يَمْشِي قَلِيلًا قَلِيلًا، ثُمَّ طَارَ فَكَطَيَرَانِهِ فِي الْحَالِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي. قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْقَفَصُ مَفْتُوحًا فَمَشَى إنْسَانٌ عَلَى بَابِهِ فَفَزَعَ الطَّائِرُ وَخَرَجَ ضَمِنَهُ، وَلَوْ أَمَرَ طِفْلًا أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute